فؤاد دبور – كاتب أردني:
تداولت وسائل الإعلام خبراً مفاده أن طائرات العدو الصهيوني قد ألقت منشورات على قطاع غزة تطلب من المواطنين الرحيل عن مدنهم ومخيماتهم ومنازلهم، طبعا في البداية من القطاع، ثم بعد ذلك الضفة الغربية، وهذا السلوك الصهيوني قديم وحتى قبل قيام هذا الكيان في الخامس عشر من أيار عام 1948م.
حيث أقر الكنيست الصهيوني قانونا يقتضي بإسقاط الجنسية عن العرب الفلسطينيين ويهددهم بالطرد من أرضهم ووطنهم رغم أنهم أصحاب الأرض الأصليين الشرعيين استنادا إلى ذريعة وحجة مزورة تتعلق بما يسميه الصهاينة (الإرهاب) من وجهة نظرهم علما أنهم أهل الإرهاب الذي تمثل أساسا في وجودهم في أرض فلسطين العربية وفي ممارستهم وسياساتهم العدوانية الإجرامية.
أما ضحايا هذا الإرهاب الصهيوني المنظم فهم الشعب العربي الفلسطيني الذين يدافعون عن أرضهم وممتلكاتهم ووجودهم المستهدف من القتلة الصهاينة الذين لم يتركوا وسيلة إرهاب وقتل واغتيال وبطش إلا ومارسوها من أجل تحقيق مشروعهم الصهيوني القائم أساسا على فكر وأيديولوجية تقوم على اقتلاع العرب الفلسطينيين من أرضهم ومدنهم وقراهم وتشريدهم خارجها من أجل استيعاب المهاجرين الصهاينة من عديد بقاع الأرض لإحلالهم مكانهم مما يؤدي إلى نزع الطابع العربي عن أرض فلسطين تمهيدا لتهويدها باعتبارها على حد زعمهم أرض “الميعاد” أرض “دولة اليهود”. كما يوجه الصهاينة عدوانهم وإرهابهم نحو سورية العربية وكذلك لبنان وكل الأمة العربية
وجاءت عقيدة الترحيل في المؤتمر الصهيوني الأول (29 آب 1897)، حيث وضع الصهاينة خططهم لتحقيق حلمهم في إنشاء “دولة” لهم والتي ارتكزت بشكل أساسي على طرد الفلسطينيين وترحيلهم وتشريدهم وقتل ما يستطيعون قتله، وعلى أساس وضع الصهاينة وقادة حركتهم وقيادات الحكومات المتعاقبة استراتيجية واضحة المعالم تجاه العرب الفلسطينيين تقوم على طردهم ومصادرة أرضهم وإقامة المستعمرات الصهيونية فوق هذه الأرض، وهذا دفعهم إلى ارتكاب المجازر الدموية البشعة ضد أصحاب الأرض وبخاصة بعد قيام كيانهم الغاصب في الخامس عشر من أيار عام 1948م حيث أقدموا على تحقيق هدف طرد الفلسطينيين والتخلص منهم بكل الوسائل ثم جاء عدوان الخامس من حزيران عام 1967م الذي تم على أثره مصادرة الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان العربي السوري وإقامة المستعمرات الاستيطانية في هذه الأرض وبخاصة حول مدينة القدس العربية، بمعنى أن النهج الصهيوني العنصري المعادي للعرب الفلسطينيين وغيرهم متأصل ومتجذر في الفكر الصهيوني.
لقد قام الكيان الصهيوني الغاصب وحكوماته المتعاقبة بإتباع سياسة عنصرية الطابع تمثلت في اتخاذ إجراءات معادية تقوم على أساس التطهير العرقي والذي تم التعبير عنه بإقدام الحكومة الصهيونية على طرد وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين في العام 1948م من وطنهم وأرضهم، وبقي هذا النهج مستمرا ليصل عدد المواطنين الفلسطينيين المطرودين من ديارهم خارج وطنهم ستة ملايين مواطن فلسطيني وأكثر من الفلسطينيين اللاجئين وكذلك مئات الآلاف من اللاجئين في وطنهم فلسطين المحتلة إثر الحرب العدوانية عام 1948م حيث يعيش هؤلاء أيضا تحت وطأة الاضطهاد والظلم والحرمان والحصار والحكم العسكري وتحت قوانين عرفية تعسفية تحول دون تنقلهم بلا ترخيص ويتم منعهم من البناء فوق أرضهم إذا تواجدوا فيها، ووصل الأمر بالصهاينة منع الفلسطينيين من دفن موتاهم في مقابر قراهم بذريعة أن مجرد القبول بدفن الميت في بلده يعني الإقرار بأن هذه الأرض والبلدة تعود ملكيتها إلى أهله.. وقد أصدر الصهاينة سلسلة من القوانين والتشريعات العنصرية الجائرة لتثبت نظرتهم وسياساتهم تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في الأرض المحتلة عام 1948م منذ قيام كيانهم الغاصب والتي تتسم فعلا بالظلم والاضطهاد والاعتداء وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين.وها هو شعبنا يقاوم جرائمهم واحتلالهم بالشهادة والاعتقال والجراح في عديد المدن والقرى والمخيمات رداً على عنصريتهم وتوجهاتهم لتحقيق مشروعهم الصهيوني الاستعماري التوسعي الاحلالي الهادف إلى تهويد الأرض وتصفية الوجود الفلسطيني.. ويمكن أن نتوقف عند أهم وأبرز هذه القوانين تعدادا ودون الدخول في مضامينها بدءا بقانون العودة لعام 1950م، وقانون الجنسية الصادر عام 1952 والتعديلات التي أدخلت عليه وقوانين مصادرة الأملاك والأراضي المتعددة والتي بدأت حكومات العدو الصهيوني بإصدارها منذ العام 1949م (قانون الحاضر الغائب) وقانون توزيع السكان الصادر في شهر أيار من العام 1975 الذي يحظر على غير اليهود الإقامة في أماكن ومدن معينة ويشجع اليهود على الانتقال إليها والسكن فيها وبخاصة في مناطق الجليل والنقب نظرا لوجود كثافة سكانية عربية فلسطينية من أجل نزع طابعها العربي وتسهيل تهويدها او على السيطرة الأمنية عليها بارتكاب أبشع المجازر ضد قطاع غزة لتحقيق هذا الأمر، وقد اتخذت حكومة الإرهابي نتنياهو الحالية بإجبار العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بعامة والقدس العربية بخاصة على هدم بيوتهم بأنفسهم وبخاصة في القدس العربية، وجاء قانون “الغزاة” طبعا المقصود بالغزاة هنا العرب الفلسطينيون أصحاب الأرض وليس الغزاة الغرباء الصهاينة واليهود القادمين إلى فلسطين من دول متعددة في هذا العالم، ويعتبر هذا القانون من أخطر القوانين التي صدرت عن الحكومات الصهيونية حيث صدر في شهر شباط من عام 1981 ذلك لأنه يهدف إلى طرد العرب من الجليل شمال فلسطين والنقب في الجنوب وقرى المثلث في الوسط (أم الفحم وجوارها) طبعا، لم تتوقف الإجراءات الصهيونية بخصوص الأرض المحتلة عام 1948م، كما أسلفنا، بل طالت الأرض الفلسطينية المحتلة إثر عدوان عام 1967م ووفق برامج متعددة المحاور والأهداف حيث تقوم حكومات العدو بمصادرة الأرض وإقامة المستعمرات الاستيطانية وبخاصة حول مدينة القدس العربية حيث أصدرت حكومة العدو الصهيوني التي قامت بالعدوان وبعد أيام من العدوان، قرارا بموافقة الكنيست الصهيوني بتوسيع حدود بلدية القدس وتوحيدها وإقامة مستعمرات استيطانية حولها تمهيدا لتهويدها باعتبارها على حد زعمهم، العاصمة الموحدة الأبدية لكيانهم الغاصب، مثلما أصدرت الحكومات الصهيونية قرارات أخرى بعد أقل من شهرين على الاحتلال تصادر بموجبها مساحات واسعة من أرض الضفة الغربية حتى نهر الأردن شرقا لتقيم عليها مستعمرات استيطانية دفاعية على حد زعمهم، هذا، ولاتزال حكومات العدو الصهيوني ممعنة في سياساتها المتعلقة بمصادرة الأرض العربية وطرد السكان العرب أصحاب الأرض الشرعيين وبناء عشرات الآلاف من الوحدات السكانية والمستعمرات الاستيطانية.
ما عرضناه يشكل القليل القليل من الإجراءات الصهيونية الهادفة إلى طرد العرب الفلسطينيين من ديارهم وأرضهم، وكذلك طرد المواطنين العرب السوريين من وطنهم في الجولان المحتل، وكذلك مواطنين من قرى محتلة في الجنوب اللبناني، وتؤكد التشريعات والممارسات الصهيونية على توجهات الصهاينة وعقيدتهم وأفكارهم واستراتيجيتهم العدوانية مثلما تؤكد على روح الانغلاق والتعصب والعنصرية والقمع والاضطهاد وخرق حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، كما تؤكد على الترحيل والتطهير العرقي في الفكر الصهيوني وعلى العداء للعرب كل العرب حتى لو أقاموا مع كيانهم علاقات متعددة، وأخيراً نؤكد على خيار المقاومة، المقاومة فقط لمواجهة العدو الصهيوني وأهداف مشروع الترحيل والهدم عبر الحصار والقتل.
* أمين عام حزب البعث العربي الديمقراطي في الأردن – تحت التأسيس