الأصالة والحداثة لا تنفصلان

الملحق الثقافي- رجاء شعبان:
الشجرة شجرة لو قطعت بأغصانها ليست جميلة والأغصان لو بُتِرتْ من جذورها لَبقيت الأغصان هامشيّة يلعب بها الهواء أو تلعب في الفراغ ريثما يدبّ بها العطب ويؤول بها اليباس حطباً..
هذه المعادلة تنطبق على جيل التقليديين أو الأصلاء في الثقافة المتمثّلين بِجذع الشجرة وجيل الحداثة المتناثر الأغصان بحثاً عمّا يكتنفه من الضوء لأجل النموّ والصعود لمرامي الحياة…
لكلّ علم قاعدة وأساس وقوانين… لا تنفصل عن بعضها، فالاستفادة من تجارب الآخرين التي تغدو الماضي والتراث والتاريخ تغدو المكمّلة للجيل الجديد من ثقافات الأجداد وبما يعكس تجارب واقع الجيلَين…. إنها قاعدة طبيعية وضروريّة أن يكون الحفيد امتداداً للجدّ…. لكن هل مازلنا نعيش زمن الطبيعي والممتدّ بالمدد والأمداد…؟ هل مازلنا بزمن النت الافتراضي نقتنع أنّ الوردة على طبيعتها التي تنمو في الطبيعة الربّانية أجمل ولها رائحة عبقة تستمدها من الشمس والتراب والمطر ويحركها الهواء ليخرج منها عطراً يفتتن الأنوف ونقول ولو من دون وعي بالإيمان: سبحان الله وماشاء الله؟
حداثة مصطنعة ومسترخصة:
مَن يقنع هذا الجيل بالعموم أنّ الطبيعة مازالت أشهى وألذّ وهي موجودة وأغلى من أي شيء مصنّع بشرياً ومحوّل الكترونياً ومدجّن ثقافياً بألوان الآلة الميتة… الذكاء ذكاء سواء كان طبيعياً أو صناعياً لكن مَن اخترع الصناعي أليس الإنسان؟ ومن خلق الإنسان أليس الخالق. ..! في النهاية الله خالق كلّ شيء لكنّه ليس عنده نوازع ونوازغ مستطيرة أو متطرّفة لتحقيق أهداف محدودة بمصلحة ما… فعند الخالق مصلحة للجميع وخيرعام من دون محدودية أو انتهازية او لنقل أهداف خاصّة تبيد جهة لصالح جهة… الله خلق الكون بهندسة وإتقان خلقه ليدلّ على ذاته بذاته ومخلوقاته، خلق الإنسان ليعرف ويكتشف ويعيش ويبدع، وإبداعات الخالق موثوقة وليس فيها نيات خبيثة مجتثة كالذي انشقّ عن الطبيعة الخيّرة ذات النيات الطيّبة إلى نماذج وأنماط من ورائها هدف ما…
التاريخ يبدأ بتلقائية بسيطة ثم يتحوّل:
وهذا هو تاريخ الحضارات والوجود… تبدأ بتلقائيّة وطبيعيّة لتمتدّ أكثر وقد خالطتها الأخطاء وشذّت ونزعت عن الطريق المعتاد إلى طرق شتّى… ولحدّ معيّن يبدو ضرورة وحاجة لتلبية امتداد التفرّعات وكثرة العدد بعدّة أكثر شمولاً و تنوّعاً… لكن ما يحصل وسط الضجيج والزيادة والكثرة فوضى عارمة تقضي على النظام ذي القِيَم والقيمة الذي كان سائداً وفرضته مراحل تغيّر الأحداث ليتكيّف مع صيرورتها ويتماشى بما يغالب ضعف ظروفها وحاجاتها ناهضاً بها… لكن مع تراكم نتاج التاريخ وتعدّد الطرق والوسائل وتقدّم الأدوات تكثر الخيارات مع إضافة قيمة جديدة مستحدثة غير مرئية فرضها الزمن وهي التراخي،
والمخلوق بطبيعته يميل للراحة والكسل والاستسهال… وهذا ما يخبئ داخله العديد من المفخخات التي ليست مصنوعة على عين الحاضر والشخص ذاته..
التقليدي الكلاسيكي والمستحدث العصري أين صارا:
لن نخرج عن السياق أكثر بين ماهو تقليدي كلاسيكي وماهو مستحدث ولكن لنقول بأمانة التقليد والمستحدث نسغ واحد لشجرة واحدة، لكن يبقى الكيفيّة بالتعامل، وما وصلنا إليه من أشياء جاهزة مصنّعة ومعلّبة ومقولبة ومسيّسة غدت هي المسيطرة والخطيرة…. فلماذا الإنسان يرهق نفسه إنْ وجد ما يفكّرعنه ويقدّم له الأشياء من دون جهد… ناسياً هذا الإنسان نفسه أنّ الشجرة من دون تراب لا تنمو ومن دون تراكم زمني لا تكبر ومن دون ظروف قاهرة جاهدت بها ضد عوامل الطقس ما أثمرت ولا ظهرت لنا حتى… مانحن به الآن بيئة أنتجها تاريخنا وأجدادنا…. مانحن به من نعمة كانت نتاج رحلات شاقّة من الجهد والمكابدة والتعب لعلماء ومبدعين في مختلف صنوف العلم والآدب والفنون وقد دفع منهم حياته فداء قول فكرة أو إثبات تجربة أو البوح بمعلومة … ومنهم من أُدخل السجن وبقي مطارداً منبوذاً ليعيش حياة الأذلاء بدل المكرمين…
الزمن المستحدث غدا الزمن الرخيص:
نأتي نحن في هذا الزمن المستحدث الذي بإمكاني أن أسمّيه الزمن الرخيص أو زمن الفكر المبعثر المسروق نتأوّل ونبدو أبطالاً شجعان من دون متابعة الجهد وهذا طبعاً على حساب مَن سبقنا، ناسين أو متناسين أنّنا مجرّد زيف وكذب وتقليد أعمى ونكراناً لا يشكر…. زمن الحداثة زمن العضلات التي تنتجها الصناعة الملوّثة السريعة والقاصفة للأعمار، زمن حشو السيليكون.. لا التمرين والتدريب والصبر والمجاهدة والتأني والحلم والمحافظة على الطبيعة والصحة والبيئة والتراث والقيم والمبادئ ونتاج الأجداد.. زمن بيع الإرث…. زمن سرقة العلماء والأدباء…
زمن الذكاء التقني الذي يعلّم الغباء ويمحو القيم ويسيطرعلى العقول وهماً وخداعاً… زمن سيطرة الصورة المبهرة والمحتوى الفارغ والكلام الذي لا طائل منه… زمن عودتنا إلى الديناصورات المنقرضة بالأساطير والمهازل الاختراعية… فحدّث ولا حرج… ولو أحد من أجدادنا راقب من مكانه عالمنا كالمتنبي مثلاً لجنّ ورمى سيف كلماته جانباً وتنسّك عن قول الشعر… لو نزار قباني أو محمود درويش نهضا وشاهدا نسخهم المزيّفة من الشعر ومحاولة تقليد حركاتهم ونهب كلماتهم وتطبيقها بالسنة وادعاءات شعراء بنسخ مشوّهة لا مطوّرة لعادوا للموت مقهورين غير مطمئنين على سلامة الأدب والإنسان…. لو نظرت روح المخترع العالِم نيكولا تسلا الذي قُتل عمداً وسُرق ونُهب قبل مماته، لبكى دماً على حال العتمة التي نحن فيها بزمن الأقمار الصناعية والأسلحة الفتّاكة التي تبيد مدناً بأكملها…. لو نهضت زنوبيا ورأت سيدات عصرنا التي غدون كلّهن ملكات وشاعرات وعظيمات مثلها ببساطة من وراء صورة وسخف تقنيّة واسترخاص القيمة لانتحرت ألف مرّة بالدقيقة…. لو شهرزاد ألقت نظرة على شهرزادات الزمان هذا لأغميت من الضحك ولو شهريار رأى أمراض الرجال العصرية لاطمئن أنّه بألف خير أمامهم…
أنا لست متشائمة ولا أضرب بجيل الحضارة وإنسان العصر المتعلّم والذكي أبداً… لكنه الذكي بانحدار وعلى حساب القيم الإنسانية، أراني أنظر ماذا يحدث بالعموم وليس بالاستثناء وهكذا دواليك…
وأختم بما قرأته للكاتبة أحلام مستغانمي التي نشرت إحدى الصفحات الفيسبوكية ماجاء على لسانها من كلام وقد قارنت نفسها ككاتبة تأخذ الكتابة منها ومن وقتها وجهدها وفكرها… مع مطرب وصل للعالمية بأغنية واحدة تبدو بحروف مقطعة غير مفهومة معتقداً نفسه يغني للناس بطلسم كطلسم أحرف القرآن المقطَّعة والناس سكارى مسحورون بالسعادة منتشون بطلاسمها
تقول:
وصلتُ إلى بيروت في بداية التسعينات ، في توقيت وصول الشاب الجزائري( خالد ) إلى النجوميّة العالميّة ، أُغنية واحدة قذفت به إلى المجد كانت أغنية «دي دي واه» شاغلة الناس ليلاً ونهاراً ، على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى مشاغلها صباحاً.
كنت قادمة من باريس، وفي حوزتي كتاب «الجسد»، أربعمائة صفحة، قضيت أربع سنوات من عمري في كتابته جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينه نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا.
الحقيقة أنني لم أحزن أنهم لم يعرفوني ككاتبة قضت عمرها في الكتابة بقدر ما عرفوا مطرباً بكلمتين، أو بأغنية من حرفين، وأنه حقق مجداً ومكاسب، لا يحققها أي كاتب عربي نذر عمره للكلمات، وأنا حزينة الآن لأني أشعر بأني قد جئت المشرق في الزمن الخطأ.
                        

العدد 1171 – 12 -12 -2023  

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة