الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
لم يعد التضليل الإعلامي الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية تجاه القضايا العربية، أو الأحداث التي تتعلق بالبلدان العربية وخاصة القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، لم يعد مرحلة عابرة إذ تحول من الإنحياز للطرف الصهيوني إلى صناعة تقوم على التزييف والتضليل والفبركة وتشويه الحقائق وقلبها، وتحويل الضحيّة إلى جان ٍ يستحق الإدانة والعقاب
وذلك ضمن استراتيجية مخططة ومدروسة تحقيقاً لأهداف استعمارية عمل الغرب عبر آلته الإعلامية إلى رصد ميزانيات مفتوحة لتحقيق هذه الأهداف.
وقبل الولوج في التضليل والتزييف والخداع والكذب، الذي مارسته وسائل الإعلام الغربية في العدوان المفتوح والحرب المدمّرة التي تشنّها قوات الاحتلال الصهيوني ضد غزة بعد عملية (طوفان الأقصى)، والذي وصل إلى مرحلة الإبادة، لا بد أن نشير إلى سياسة التضليل والكذب التي اتبعها الغرب لتبرير العدوان على العراق عام ٢٠٠٣ وقتل ملايين العراقيين ونهب ثروات العراق وسرقة كنوزه الأثرية والتاريخية بذريعة اسلحة الدمار الشامل والتي تبين خلو العراق منها، وما هي إلا ذريعة لتبرير العدوان وتضليل الرأي العام الغربي والعالمي لهذا العدوان.
وفي الحرب الكونية على سورية عام ٢٠١١ كان التضليل والتزييف وقلب الحقائق من اكثر الاذرع العدوانية التي مورست ضد سورية وشعبها وجيشها لإسقاط الدولة وتدمير بنيتها وحضارتها وتاريخها، وما الذرائع التي كانت تُساق لتبرير ما حدث على انها ثورة شعبية!! وتغيير ديمقراطي!! وليست إلا فبركات وأضاليل تم الاشتغال عليها من خلال غرف عمليات سوداء تُدار من قبل مخابرات دول ناصبت العداء لسورية وشعبها، ومحطات تلفزيونية عالميةأجنبية وعربية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومراكز بحثية تم تجنيدها ورصد الأموال الطائلة، وشراء بعض ضعاف النفوس الذين باعوا ضمائرهم ليتحولوا إلى منصات عدوانية على سورية قولاً وفعلاً، ولا ننسى التنسيق الذي تم بين المجموعات الإرهابية المسلحة والكيان الصهيوني لاستمرار العدوان باشكاله كلها .
مقالات ومقالات، صور مفبركة، مقاطع فديو تم إعدادها لتشويه صورة الجيش العربي السوري بأنه هو من يقصف ويقتل و…..تضليل وكذب وافتراء كان من صلب سياسة الغرب بكل قوته وجبروته في حرب قذرة ضد سورية وشعبها وقيادتها، ومحاربته في أمنه واستقراره ولقمة عيشه، لكن الصمود الأسطوري والتلاحم بين الجيش والشعب والقيادة أفشل العدوان وخرجت سورية منتصرة لتبدأ مسيرة الإعمار وتحصين سيادتها وأمنها واستقرارها.
وفي الحرب على غزة والتي أعلنها العدو الصهيوني حرباً مفتوحة، والتي طالت البشر والحجر والشجر، وكل مناحي الحياة من مدارس ومشاف ومساكن وكنائس ومساجد، وبوحشية لا مثيل لها ارتكب الكيان عشرات المذابح في غزة راح ضحيتها آلاف الشهداء جلهم من النساء والأطفال، لكن وسائل الإعلام الغربية مارست التضليل والتزييف بأبشع صوره ونقلت مجريات الحرب على أنها (أحداث عنف) أو أن إسرائيل ترد على عملية (طوفان الأقصى)؟!
وبإنها تدافع عن نفسها وتقوم بعملياتها الحربية لتحرير المحتجزين الإسرائليين الذين أسرتهم (حماس)..؟!!حيث نقلت وسائل الإعلام الغربية أخباراً عن قطع رؤوس أطفال إسرائليين في عملية طوفان الأقصى، تبين فيما بعد زيف الرواية وبأنها مختلفة لتشويه صورة المقاومة ولتبرير أي تحرك للأساطيل الغربية لدعم إسرائيل.
ولم يقف التضليل والتزييف والكذب والافتراء في الحرب على غزة على نقل الأخبار الكاذبة أو اصطناع أحداث مفبركة إنما وصل بها الحد إلى استخدام صور قديمة ومقاطع فيديو لأحداث جرت في مواقع عديدة من العالم وبثها على أنها في غزة لزيادة التأثير على الرأي العام العالمي وتبرير العدوان والقتل والتدمير.
محطات تلفزة عالمية، صحف ذائعة الصيت تدّعي المهنية والمصداقية وطرح الراي والرأي الآخر، انحازت بقوة، وصل إلى حد التبني للرواية الإسرائلية دون ذكر للمجازر وقتل النساء والأطفال وتدمير المنازل والمدارس والمشافي على رؤوس الفلسطينيين، وتحويل غزة إلى محرقة لا حياة فيها تحت ذرائع محاربة حماس والقضاء عليها وتهجير قياداتها إلى الأردن أو سيناء أو…
وعلى مرأى ومسمع من العالم (المتحضرّ والمتمدّن) والأمم المتحدة التي تدّعي حماية حقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحماية الامن والسلم العالمي ارتكبت إسرائيل المجازر في مشفى المعمداني وقصفت بكل أنواع الأسلحة، حتى المحرمة دولياً المباني السكنية واتبعت سياسة الأرض المحروقة دون رفة عين، أو صحوة ضمير، من الغرب الذي يدّعي الديمقراطية ويطرح شعارات الحرية والعدالة والمساواة والتي هي شعارات برّاقة ليس إلاّ ؟؟!!
حقائق تؤكد وحشية ودموية الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة ، تجاهلها الإعلام الغربي في سياسة التضليل المتبعة والممنهجة وركز عل المحتجزين الاسرائليين ، واختلق إشاعات لإدانة المقاومة مثل قطع رؤوس الاطفال تدمير مشفى المعمداني من قبل حركة الجهاد ..؟!
لم تذكر وسائل الإعلام الغربية عدد الشهداء والجرحى وحجم الدمار الهائل جراء العدوان ووفقاً لوزير الإعلام الفلسطيني أحمد عساف (أنَّ هناك حقائق يتجاهلها الإعلام الدولي، ومنها استشهاد أكثر من ١٥ ألف فلسطيني، أكثر من ٧٠% منهم من النساء والأطفال والشيوخ، كما تعتقل إسرائيل الآلاف من الفتيات والأطفال والفتيان والنساء الفلسطينيات بشكلٍ عشوائي. كما أنَّ هناك مليونًا و٧٠٠ ألف فلسطيني تم تهجيرهم من ديارهم، والاحتلال دمَّر٦٠ مسجدًا، و٣ كنائس، و٢٨٠ ألف وحدة سكنية، كما قتل أكثر من ٦٠ إعلاميًّا وصحفيًّا وأسرهم لإرهاب الإعلام العالمي وازدواجيَّته.)
اذا هي ازدواجية المعايير التي يتبناها الإعلام الغربي ، والذي يعمل على التضليل والتزييف وقلب الحقائق ، لاهداف واجندات غربية استعمارية ؟! ليس في هذه الحرب فقط إنما في كل ما يتعلق بمنطقتنا العربية وقضاياها العادلة وفي مقدمتها قضية فلسطين قضية العرب العادلة ، والتي تنتظر الحل من خلال المقاومة ، والمقاومة فقط.
إنٍ التضليل الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية بكل مسمياتها لم يعد آنياً او مؤقتاً او عابراً ، يرتبط بحدث معين وينتهي ، إنما اصبح صناعة لها مقوماتها واهدافها واستراتيجيتها ووسائلها لتحقيق اهداف استعمارية بعيدة المدى .
إنّ مواجهة وسائل الإعلام الغربية التي تعتمد سياسة التضليل والتزييف يتطلب من وسائل الإعلام العربية المزيد من العمل والدعم وتوفير كل متطلبات المواجهة المادية والمعنوية ، وفضح سياسات الكيان وداعميه وتقديم الحقائق الموثقة بالمعلومة والصورة للراي العام العالمي وبمختلف اللغات، بمهنية عالية وبسرعة تواكب التطورات التقنية الحالية .
لا قضية تحقق اهدافها بلا إعلام قوي ينطلق من مرتكزات وطنية وقومية يرتكز عليها، ويقدمها في المحافل المحليّة والدوليّة بثقة ، ويحارب كل قوى الشّر من اجلها ، وهو المنتصر في النهاية .
العدد 1171 – 12 -12 -2023