راغب العطيه:
يعد استهداف المستشفيات جريمة حرب صارخة تنتهك بالصميم القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف ذات الصلة، فالمادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص بشكل واضح على حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، وتحظِّر مهاجمة المدنيين وجرحى الحرب والمرضى والعاملين في المجال الطبي، كما تنص المادة 18 من الاتفاقية ذاتها على حماية المستشفيات المدنية في النزاعات المسلحة، وتحظِّر تعريضها للهجوم أو تدميرها، في حين تؤكد المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن استهداف المدنيين والعاملين في المجالين الإنساني والطبي جريمة حرب موصوفة تستوجب المساءلة فوراً ودون أي تأخير، كما تحظِّر المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، الهجمات العشوائية ضد المدنيين والمنشآت المدنية كالمستشفيات.
إذن فإن استهداف المستشفيات محرَّم بالقانون الدولي وجميع الشرائع الدولية والوطنية تجرمه، ولكن على أرض الواقع نشهد عكس ذلك تماماً، فالكيان الصهيوني لا يلتزم لا بقانون ولا بشريعة دولية، ويشجعه على ذلك الانتهاك وهذا الإجرام الدعم الأميركي والغربي غير المشروط، فهو يرتكب جرائم حرب كل يوم وكل ساعة في غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد ركَّز وحشيته المفرطة على المستشفيات والمواقع الطبية بحجج واهية كذَّبتها كل التقارير التي رافقت اقتحام قوات الاحتلال لكل المستشفيات الموجودة في مدن قطاع غزة، والتي دمرها الاحتلال الإسرائيلي بشكل ممنهج منذ بداية عدوانه على غزة.
وجاء في المرتبة الثانية في بنك أهداف العدوان الصهيوني المواقع التي تأوي النازحين المدنيين والذين يشكل الأطفال والنساء غالبيتهم، فأصبح الأطفال رقم واحدٍ من بين ضحايا العدوان، دون أن يحرك ذلك ضمائر الغرب المتصهين الذي يدعم حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين تحت حجة واهية أسموها زوراً وبهتاناً (دفاعاً عن النفس)، وهذا كله لم يتم لولا تردي حالة المنظمات الدولية والهيئات المعنية، وخاصة مجلس الأمن الدولي بسبب التعنت الأميركي واستخدامه لحق النقض “الفيتو” ضد كل القرارات التي طرحت في المجلس من أجل وقف العدوان ووقف إطلاق النار، وهذا يتعارض بشكل فاضح مع المادة 1/1 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على أن غرض المنظمة هو حفظ السلم والأمن الدوليين، كما أنه يشكل انتهاكاً صارخاً للمادة 24 من الميثاق، والتي تعطي مجلس الأمن الدولي المسؤولية الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين.
إدارة جو بايدن في واشنطن ومعها الحكومات الأوروبية تساهم اليوم بشكل متعمد ومشين وغير أخلاقي مع الاحتلال الصهيوني بارتكاب جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية من خلال الاستهداف الممنهج للمستشفيات والمواقع والطواقم الطبية، مخالفة بذلك المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف.
ومع تجاوز عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة أكثر من 20 ألف شهيد و53 ألف جريح غالبيتهم من الأطفال والنساء، يبقى السؤال المطروح.. إلى متى يبقى المجتمع الدولي صامتاً على هذه الجريمة الكبرى التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة المحاصر؟ الأمر الذي يقوِّض مبادئ العدالة وسيادة القانون، ويهدد السلم والأمن الدوليين بخطر جسيم.