عزة شتيوي:
هي دماء الأبرياء حين تُعمِّد الأرض من رجس الأعداء، وتبشر بالخلاص من الاحتلال ليكون المشهد سلاحاً بحد ذاته يرتد على نحر “إسرائيل” وإجرامها، ويكون للمستشفى في غزة نصيب من اسمه، مستشفى المعمداني حين عُمِّدت أرضه بدم الشهداء فظهر نور الحقيقة وتبددت ظلمات التظليل الإسرائيلي بحق ٥٠٠ شهيد فلسطيني نطقت جراحهم بالحقيقة وفضح حفرة ارتقائهم صاروخ “إسرائيل” الحاقد.
في العدوان الإسرائيلي على غزة كانت المشافي هدفاً أولاً للكيان يقصفها بحجة أن هناك أنفاقاً للمقاومة تحتها، ويروج للكذبة على أنها يقين دون أن يقدم دليلاً واحداً على أكاذيبه، ولكن في قصة قصف “إسرائيل” لمستشفى المعمداني رواية إسرائيلية لم تصدقها أو تحاول الترويج لها حتى بعض صحف الغرب، لأن التضارب بالتصريحات والكذب فيها سيلقي الصحافة الغربية في قمامة المصداقية أكثر دون رجعة.
وهذا ما حدث فعلاً مع بعض الصحف التي سقطت تحت أقدام أحرار العالم بعد أن تبنت ما يقوله الكيان حول وجود نفق للمقاومة تحت المستشفى، بل إن بعض الصحف ذهبت إلى ما ذهب إليه الرئيس الأميركي جو بايدن بأن المقاومة هي من أسقطت صواريخ على المستشفى، وهذا يذكرنا بتصريحات الرؤساء الأميركيين حين كانوا ولا يزالون يدافعون عن الإرهابيين في سورية ويقولون إنهم ضحايا، بينما الإرهابيون يفجرون ويقطعون الرؤوس ويحضرون لمسرحيات الفبركة الكيماوية!
في مجزرة مستشفى المعمداني تكرر واشنطن وحلفاؤها في “إسرائيل” الكذبة ولكن الأدلة الدامغة على جريمتهم وماضيهم الإرهابي تجاه الشعب الفلسطيني والشعوب العربية يسقطهم في حفرة الاتهام، لذلك تشتتوا في رواياتهم، فتارة يتهمون المقاومة الفلسطينية بقصف المشفى، وتارة أخرى يعترفون أن “إسرائيل” اضطرت لذلك لاكتشافها نفقاً للمقاومة الفلسطينية تحت المستشفى، فإن كانت هذه حجتهم أين هي صور الأنفاق وما وجدوه من أسلحة للمقاومة، ولماذا لم تنشر على وسائل الإعلام إن كانت موجودة بعد اقتحام الاحتلال مؤخراً للمستشفى.
اللافت في الكذبة الإسرائيلية هي طريقة عرضها والتضارب بالتصريحات من داخل الكيان، فمنذ اللحظة الأولى لاستهداف مستشفى المعمداني خرج ما يسمى “الناشط الإسرائيلي حنانيا نفتالي” معلناً قيام “إسرائيل” باستهداف مقاتلين للمقاومة داخل مستشفى المعمداني.
هذا الاعتراف الواضح والصريح حذفه نفتالي بعد وقت قصير، مبرراً في منشور آخر أنه “خطأ يعتذر عليه”.
ثم سارع ما يسمى أيضاً الناشط الذي يعد بمثابة المتحدث الرقمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى نشر عدة منشورات لتحريف الرواية وتوجيه الاتهام للمقاومة وشاركت في هذه الكذبة حسابات تتبنى البروباغندا الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكعادته كان إيدي كوهين في مقدمتها، ناشراً “فيديو” مع تعليق يدَّعي أن القصف على المستشفى جاء من قبل صاروخ للمقاومة.
لكن تحليلاً آخر كشف أن الفيديو الذي أرفقه كوهين لا علاقة له بأحداث غزة الأخيرة، كما أنه كان قد نشره هو بنفسه على حسابه في السادس من آب من العام ٢٠٢٢..
على نفس المنوال الكاذب، رد المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بمنشور قال فيه إن تحليل أنظمة العمليات في جيش الاحتلال الإسرائيلي يقول إن الصاروخ يعود للمقاومة، ولكن، عن أي تحليل يتكلم أدرعي؟.
وشاركت ما تسمى الصفحة الرسمية للكيان الصهيوني على منصة إكس المعلومة نفسها مع إضافة فيديوهات استند عليها ما سُمي بـ “تحليل إسرائيلي”.
وظهر في تلك الفيديوهات مشاهد تؤكد زيف الاحتلال، إذ كان توقيت القصف في المقاطع المنشورة مختلفاً عن توقيت الاعتداء على المستشفى، وتداركت الصفحة فضيحتها، وحذفت الفيديو بعد وقت قصير.
كما أن بعض الصحف الغربية كصحيفة لوموند الفرنسية نقضت رواية الاحتلال من أن صاروخاً فلسطينياً قد قصف المستشفى، بل تبين الصحيفة بحسب المعطيات التي حصلت عليه من صور وفيديوهات أن الصاروخ قادم من المناطق التي تطلق “إسرائيل” صواريخها، وتحديداً من منطقة توجد فيها بطارية القبة الحديدية للاحتلال الإسرائيلي على بعد أقل من كيلومترين شرق ما تسمى مستوطنة ناحل عوز.
وكانت نيويورك تايمز أيضاً قد شككت في الرواية الإسرائيلية، مؤكدة أن النظرة الفاحصة لمقطع الفيديو الصاروخي الذي استشهدت به “إسرائيل” لا تثبت تلك الادعاءات.
ولم تقف إشارات التعجب حول كذب الرواية الإسرائيلية عند الصحف، بل كشف الممثل والإعلامي الأمريكي جاكسن هنكل في منشور له، على منصة إكس، كذب الرواية “الأمريكية – الإسرائيلية” التي تزعم أنها لم تكن وراء قصف مستشفى المعمداني في غزة، وأكد هنكل أن المسؤول عن الهجوم هو الاحتلال الإسرائيلي وليس المقاومة الفلسطينية كما يدَّعي الإسرائيليون.
وفي المنشور، قارن هنكل بين صوت الصاروخ الذي سقط على المستشفى وصواريخ المقاومة وصوت قنبلة جدام JDAM ودعا هنكل المتابعين إلى اكتشاف الحقيقة بأنفسهم من خلال التمييز بين قوة الأصوات.
وأشار هنكل إلى أن الصاروخ الذي استهدف المستشفى ينتمي إلى نوعية القنابل جدام JDAM، وهو صاروخ تستخدمه “إسرائيل” بنسبة مئة بالمئة، كما أثارت المقابلة التي أجراها الصحفي ومدير برنامج (راوند تيبل شو) ماريو نوفل، مع خبراء المتفجرات السابقين من مشاة البحرية الأمريكية، أن الهجوم الذي تسبب في الانفجار غير مرتبط بمجموعات المقاومة فلسطينية.
وأشار الخبراء إلى أن الأضرار في منطقة وقوف السيارات نتجت عن انفجار الوقود بعد الانفجار الرئيسي، وأشاروا إلى أن الصوت الذي سُمع يشير إلى استخدام صواريخ جدام JDAM وليس لدى المقاومة هذه الصواريخ، وباستنادهم إلى تحليل الصور، أشار الخبراء إلى أن الهجوم يمكن أن يكون نُفذ باستخدام الصواريخ والقنابل الموجودة في مخزون الولايات المتحدة ودول حلفائها.
وكانت المقاومة الفلسطينية قد حمَّلت “إسرائيل” المسؤولية المباشرة عن مجزرة المستشفى المعمداني “المروّعة ” التي جرت على الهواء مباشرة “بقوة نارية أمريكية”. وأكدت المقاومة أنها لم تطلق الصواريخ في توقيت وقوع جريمة مستشفى المعمداني، بينما رفض كيان الاحتلال إعطاء أي معلومات عن استهدافاته في ذلك التوقيت. ولم تقف “إسرائيل” عند هذا الحد بل داهمت المستشفى الذي بقي يعمل جزئياً وأخرجته عن الخدمة.
واستنكرت وزارة الصحة في قطاع غزة، الصمت الدولي عن المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي شمالي غزة، في ظل عدم توفر خدمات صحية نتيجة تدمير المستشفيات وإخراجها عن الخدمة، ما يعني إصرار الاحتلال على الإبادة الجماعية.