لميس عودة:
في جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة وفصولها الدموية الملآى بالمجاز، والمنفلتة من العقاب والردع الأممي، تمعن “إسرائيل” في انتهاكاتها و تجاوزاتها الصارخة وتماديها على القانون الدولي، واستخفافها بمواثيق حقوق الإنسان ونصوصها التي تلزم بضمان سلامة القطاع الصحي من الاستهداف، واعتبارها مناطق آمنة وقت الحروب.
إذ ترزح مستشفيات ومستوصفات وسيارات الإسعاف وكامل المنظومة الصحية وكوادرها الطبية والتمريضية في قطاع غزة المحاصر تحت مقصلة العجز الأممي عن وقف المذبحة التي يشاهدها العالم أجمع من دون تنفيذ أي آلية ردع ملزمة للعدو الغاشم تلجم عربدته الوحشية وتوقف نزيف الشريان الفلسطيني المتواصل بفعل ماكينة عدوانه الهمجي.
أكثر من شهرين ونصف وقطاع غزة بأهله ومنازله ومدارسه ومشافيه وأطقمها الطبية في سمت الاستهداف الجنوني لكيان دموي مأزوم، مصاب بهستيريا الحقد والرغبة بالانتقام لهزائمه وانكسار شوكة مؤسسته العسكرية والاستخبارية برفع عدد ضحايا إرهابه للتغطية على هزائمه وخساراته المتلاحقة في معارك المواجهة المباشرة مع المقاومة الفلسطينية، لذلك وأكثر يمعن في استهداف مشافي القطاع لزيادة حصيلة الشهداء من مرضى وجرحى وأطفال وخدج، يعدمهم بدم بارد ليضيف إلى تاريخه الإجرامي وسجله الإرهابي سطور وحشية جديدة.
مشافي قطاع غزة البالغ عددها36 حالها كحال أبنائه لم تنجُ من الاستهداف العدواني طوال سنوات حصاره منذ 17 عاماً ما ترك أثراً بليغاً على الإمكانيات الفنية والتقنية للقطاع الصحي الذي عانى مراراً من انقطاع الوقود، وانعدام قطع الغيار، إضافة لمنع العدو المحتل دخول الأدوات والتجهيزات الطبية إلى القطاع، ما شكل ضغطاً كبيراً على الطاقة الاستيعابية والإمكانيات العلاجية للمشافي وفرقها الطبية، إضافة إلى الضغط المكثف الذي تعانيه مشافي القطاع من الاعتداءات المتكررة منذ 2008، واستقبالها الكثير من الشهداء والجرحى ما يفوق طاقتها الاستيعابية.
في العدوان الحالي المتواصل منذ أكثر من شهرين ونصف امتلأت ساحات المشافي وممراتها بالخيام المخصصة لاستقبال الجرحى، وامتلأت برادات الموتى بجثث الشهداء ما أدى إلى افتتاح مقابر جماعية في ساحات فارغة بالمدينة لتخفيف الضغط الضخم على المشافي، حيث تتراكم جثث الشهداء في جنباتها.
فالغريزة الدموية عند العدو الإسرائيلي لا تشبع تعطشه الإجرامي إلا القتل والمذابح، فلم يكتف بتدمير عدد كبير من المستشفيات في غزة بل صعد إجرامه باستهداف الأطباء والفرق الطبية منفذاً اغتيالات للعاملين في القطاع الصحي وعائلاتهم.
كما استهدفت طائرات الاحتلال منازل عدد من الأطباء العاملين في مشافي القطاع وقتلت عائلاتهم، ومنذ بداية الحرب العدوانية على غزة عمد العدو إلى استهداف 23 سيارة إسعاف بشكل مباشر بالقصف الجوي، وتسبب في إخراجها عن الخدمة ما أدى إلى استشهاد عدد كبير من المسعفين.
كل ذلك، ومخزون الإرهاب الإسرائيلي لم ينضب ووحشيته لم تتوقف عند حدود أو حتى التزام بحرمة القطاعات الصحية التي يكفلها القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، فوجه إنذارات لعدد من مشافي شمال القطاع وعددها 22 مشفى ومركزاً طبياً لإخلائها تمهيداً لقصفها لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين عنوة، الأمر الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية “حكم بإعدام المرضى والجرحى”، منوهة أن “الإجلاء القسري للمرضى والعاملين في القطاع الصحي سوف يفاقم الكارثة الإنسانية والصحية الحالية”.
كما شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات مباشرة على 19 مؤسسة صحية، من بينها 4 مستشفيات مركزية المستشفى الأهلي العربي “المعمداني”، ومستشفى بيت حانون، ومستشفى الشهيد محمد الدرة، ومحيط المستشفى الميداني الأردني، حيث أسفرت الغارات الوحشية عن خروج هذه المستشفيات من الخدمة.
ولم تقتصر الحرب الإسرائيلية على القطاع الصحي في غزة على قصف المشافي واستهداف الفرق البشرية، بل امتدت إلى الحصار الخانق المفروض على القطاع ومنع دخول الإمدادات الطبية.
وفي ظل انقطاع الكهرباء والماء وافتقاد الوقود والمواد الطبية اللازمة، يقوم الأطباء بإجراء عملياتهم الجراحية باللجوء إلى المصابيح اليدوية، وأحياناً كثيرة من دون تخدير، بينما تفيض مشارح المستشفيات، وتتم رعاية المرضى الموجودين في الممرات في الظلام.
“لا يمكن للعالم أن يظل صامتاً بينما تتحول المستشفيات التي ينبغي أن تكون ملاذات آمنة، إلى مشاهد موت ودمار ويأس ” نداءات الصحة العالمية هذه لم تخترق صمم الغرب الاستعماري الذي ينخرط في الجرائم والفظائع الوحشية ما دفع رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس لتلخيص الوضع الصحي في قطاع غزة أمام مجلس الأمن بقوله “النظام الصحي يركع على ركبتيه”، هذا التنبيه من كارثة صحية كبرى وشيكة حذَّر منها غيبريسوس، مؤكداً أن نصف المستشفيات الـ36 في غزة لم تعد تعمل على الإطلاق، وأنه من المستحيل وصف الوضع على الأرض. فممرات المستشفيات مكتظة بالجرحى والمرضى والمحتضرين، والمشارح مكتظة بالجثامين، والعمليات الجراحية تجرى من دون تخدير، وعشرات الآلاف من الأشخاص الذين لجؤوا إلى المستشفيات يخضعون للحصار”.