مع نهاية عام 2023 تنتهي فاعليات الموسم السادس لأيام الفن التشكيلي السوري التي بدأت في الثاني عشر من شهر كانون الأول، وكرست للاحتفال بمئوية الفنانين المعلمين أدهم إسماعيل ومحمود حماد.
كرس الموسم الخامس لأيام الفن التشكيلي السوري عام 2022 لتكريم الفنان المعلم فاتح المدرس بمناسبة مرور مئة عام على ولادته، وقد ترافق هذا مع الذكرى السبعين لفوز لوحته (كفر جنّة) بالجائزة الأولى للمعرض السنوي عام 1952، وهو الفوز الذي اعتبر بداية الاعتراف الرسمي باتجاهات الحداثة. وعلى هذا حمل الموسم الخامس عنوان (سبعون عاماً من الحداثة).
مع هذا أثار هذا الخيار جدلاً صغيراً حين كرر بعض المعترضين القول إن المدرس لم يكن الأول في الاتجاه نحو الحداثة- مع أن أحداً لم يقل هذا – بل إن وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح قالت في كلمة افتتاح الموسم بالحرف الواحد: «نحتفل اليوم بمرور سبعين عاماً على فوز لوحة (كفر جنّة) للفنان فاتح المدرس بالجائزة الأولى للتصوير في معرض رسمي أقيم في دمشق، فكان ذلك تأريخاً رسمياً لانطلاق عصر الحداثة وتحرير الوعي الثقافي في الفن التشكيلي السوري وإطلاقه إلى آفاق أرحب وأغنى».
الجوهر إذاً تأريخ رسمي وحدث مختار، لا تفضيل لفنان على آخر، أو إسباق تجربة عن سواها. فالمدرس ينتمي إلى جيلٍ وُصف بجيل الحداثة، ولم يكن الوحيد فيه. ولا يجوز قصر الحداثة على رائد واحد. فمنذ خمسينيات القرن العشرين كانت هناك حيوية فائقة في الفن التشكيلي العربي، وحوارات إبداعية عميقة واكبتها حركة نقدية واسعة، كما أن كثيراً من التشكيليين قد قدموا تجاربهم عبر ما يشبه البيانات الفنية سواء من خلال تقديمهم لأدلة معارضهم، أم من خلال اللقاءات الصحفية التي تحدثوا فيها عن تجاربهم، ومع دخول اتجاهات التجريد ساحة الإبداع التشكيلي العربي، احتدم النقاش حول مفاهيم الفن، وخاصة مع أنصار الاتجاهات الواقعية، كما تصاعد الحوار حول الدور الاجتماعي للفن في ظل تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة المدى والتأثير.
يُعتبر المعلم أدهم إسماعيل (1923– 1963) أحد أهم ممثلي اتجاه استلهام التراث الفني السوري بعد الإسلام، وتكشف لوحاته الأولى عن شخصية فنية مستقلة، وقد سعى للوصول إلى فن معاصر له هويته العربية الخاصة، وبدأت شهرته عام 1951 مع لوحة (العتّال) التي استخدم فيها الخط اللا متناهي، المستوحى من الخيط الواسع الاستعمال في الزخرفة العربية، محدداً الشكل عن طريقه.
وتدل لوحة (الفارس العربي) عام 1953 على نضج أسلوبه في التعبير الفني، ثم اتجه بين 1961 و1963 إلى الموضوعات الجمالية وإلى استعمال الحرف العربي موضوعاً لتكوينات فنية جديدة، وفي اكتشاف ما يملكه التراث العربي من أشكال فنية يمكن استخدامها للتعبير عن مضامين متنوعة، فأسهم في تجديد لغة التعبير الفني في سورية، وتلاقت أفكاره في هذا المجال مع مبادرات المعلم محمود حماد (1922– 1989). الذي سعى لصنع لوحة تجريدية معاصرة باستخدام خاص للخط العربي باعتباره عنصراً تشكيلياً. ولهذا السبب قررت لجنة أيام الفن التشكيلي السوري أن يكون الموسم السادس مكرساً لمئويتي أدهم إسماعيل ومحمود حماد، وتكرر الحديث عن هذا الأمر في معظم اللقاءات الصحفية والتلفزيونية. وخاصة أنه ليس هناك إجماع على سنة ولادة المعلم إسماعيل، فقد ورد في مصادر ذات مصداقية عالية تشير إلى أنه من مواليد عام 1923 أي إن مئوية ولادته هي هذا العام. ومن هذه المصادر كتاب (الاتجاهات التشكيلية في الإقليم السوري) للدكتور عفيف بهنسي الصادر عام 1960، أي قبل رحيل إسماعيل بثلاث سنوات. والكتيب الذي أصدرته وزارة الثقافة بمناسبة حفل تأبين أدهم إسماعيل عام 1964، وكتاب طارق الشريف (عشرون فناناً من سورية) 1972. و كتاب (الفن السوري الحديث) الذي أصدرته صالة أتاسي عام 1998. وقاموس (الفن للجميع) لسعد الله مقصود عام 2002. وكتاب يارا معلا (الفن التشكيلي السوري – التشخيصية) عام 2014. في حين أوردت مصادر ثانية، ذات مصداقية عالية أيضاً، أنه من مواليد 1922. في كل الأحوال فإن الاحتفال بتجربتي إسماعيل وحماد معاً، للسبب السابق، امتلك مبررات تشكيلية أكثر من الاحتفال المشترك بتجربتي إسماعيل والمدرس. وهذا ما بدا واضحاً بمعرض الفنانين في افتتاح الموسم السادس لأيام الفن التشكيلي السوري.
وبشكل خاص في الفيلم الوثائقي الذي سلط الضوء على تجربتي الفنانين المعلمين وصداقتهما الشخصية والإبداعية.
السابق
التالي