الثورة – أيمن الحرفي:
مع بداية كل عام جديد تكثر الأقاويل حول مفهوم التفاؤل والتشاؤم على الرغم من أنهما من الظواهر الشائعة، ولهما تأثير كبير على حياة البشر سلباً أو إيجاباً،. ولاسيما لدى الشباب الذين سرعان ما يصاب بعضهم بالإحباط واليأس عند أول عقبة تصادف أحدهم، فتثنيه عن عزمه وتعطل جهده، ويستسلم- ولو مؤقتاً، للأمر الواقع.
في حين تنتاب كل منا حالات من الضيق والهم نتيجة ضغوطات الحياة، وما يتعرض له الإنسان من مشكلات وضيق وتحمل لما يصيبه من أمور وصعوبات.
وفي هذا السياق سئل الفيلسوف جورج برناردشو يوماً: من هو المتفائل ومن هو المتشائم؟ فقال: المتفائل يرى ضوءاً و كل ما حوله ظلام، والمتشائم هو الذي يرى ظلاماً وكل ما حوله نور.. ولكل إنسان طريقته في مكافحة الغم فيغلب عليه التشاؤم ومنهم من يكون عاقلاً وحكيماً فيغلب عليه التفاؤل والأمل.
وهنا يأتي العمل مقروناً بالتفاؤل، المصدران الأساسيان لتحقيق ما يريده الإنسان، وفي الوقت الذي نجد أن التشاؤم هو العدو الأساسي للنجاح والعائق الأول لكل طموح والحاجز الذي يقف عند كل أمل ورجاء، تأتي الحياة بأشياء وأمور يتفاءل بها الإنسان، وأشياء وأمور يتشائم منها لا تكاد تقع تحت حصر ما.
هناك مثلاً من يتفاءل بصوت العصافير أو برؤية الحمام الأبيض، أو بالنظر إلى السماء الصافية، وهناك من يربي سلحفاة في منزله لتجلب له الخير والحظ السعيد، أو يعلق على جسمه أو يحتفظ بسيارته بتميمة تحقق له الغرض نفسه، في اعتقاده وأشهر تميمة في هذا المجال هي الخرزة الزرقاء، وهي في الأغلب رمز تسرب إلينا من أسطورة قديمة، وطبعاً كلها اعتقادات خاطئة يرتاح إليها بعض الناس، أو اهتزت يده رغماً عنه فانسكب فنجان القهوة، والكثير من أمثال هذه المعتقدات الخاطئة.
التفاؤل والتشاؤم مسألة تعود إلى الفرد نفسه وإلى البيئة التي نشأ فيها، وإلى طبيعة المجتمع، وهناك من يتملكه التشاؤم ويركبه الهم إذا صادف قطة سوداء، أو وقع الرقم 13 ضمن تعاملاته المالية أو الاجتماعية، وهناك من يتوقع الشر لمجرد رؤيته غراباً أو سمع صوت بومة تنعق، أو إن اهتزت يده، أو إن انكسر أو وقع شيء من يده، والكثير من أمثال هذه المعتقدات الخاطئة والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، وهي حالة نفسية لها جذورها في اللا شعور، وهذا ما يوضحه أستاذ علم الاجتماع عبد العزيز الخضراء قائلاً: “علينا ألا نغالي في الاتجاه نحو التفاؤل أو ننساق إلى التشاؤم”.
فالتشاؤم يصدر عن ضعف الثقة في النفس والمبالغة في الخوف من الفشل وعدم المغالاة في التفاؤل، وأن نكون على ثقة بالله و قدرة كبيرة على التكيف والتعايش مع عوارض الحياة، فلا نخاف ونترقب المستقبل بوجل ورهبة.
فالتفاؤل مادة النصر وعنوان النجاح في كل ميادين الحياة، فالمجتمع الجديد تقوم دعائمه وأمجاده على التفاؤل، والمتشائم هو الذي يوجد العقبات أمام الفرص التي تسنح له، فالأحمق يرى الضوء و لا يصدقه، أما المتفائل فهو الذي يجعل من الصعاب فرصاً تغتنم ويرى روح التفاؤل قوة دافعة هائلة لها أثرها البعيد والمفعول الأكيد في النجاح وإعمال العقل ومحاكاة الواقع.”
تخطوا الصعاب
في الحياة وفي التاريخ نرى كيف العظماء والمشاهير مروا بظروف قاسية ومريرة لكنهم تغلبوا عليها، لا بل وجدوا من خلالها أساساً لانطلاقهم نحو المجد والنجاح، كالأديب طه حسين الذي عاش حياته كلها فاقداً للبصر، لكنه درس واجتهد وتعلم اللغات، وكتب الكثير من الكتب، حتى أصبح عميداً للأدب العربي، وأمثاله الكثير ممن حققوا النجاح تلو النجاح على الرغم مما مروا به من صعاب.
الحقيقة أن الفرق بين المتفائل والمتشائم كالفرق بين الناظر إلى النصف المملوء من الكأس والناظر إلى الفارغ منه. فهنا الكأس واحد وممتلئ بالماء حتى نصفه، لكن النظرة تختلف، فهناك المتفائل الذي يرى الماء، وهناك المتشائم الذي رأى النصف الفارغ، فلماذا لا نكون متفائلين وإيجابيين، وننظر إلى النصف المملوء، ولا سيما أن الحياة لا تنتظر أحداً، والقادم يستحق أن نؤثر فيه لا أن يؤثر فينا.
لماذا لا نكون فاعلين لا منفعلين.. في الحياة علينا التكيف مع التغيرات والمفاجآت، ولا نستسلم للعادات والتقاليد وأنماط السلوك، لنحقق النجاح الذي يتأتى نتيجة التعلم واكتساب الخبرة والتدريب وتغيير نمط حياتنا، والاستعداد والتهيؤ لمتطلبات ومتغيرات أيامنا القادمة.