الثورة – دمشق – علاء الدين محمد:
لكل أمة خصائصها التي تحدد صفاتها ومميزاتها عن سواها من الأمم الأخرى، وهي التي تمثل حقيقتها القائمة، كما أنها تمثل الوشائج التي تربط أبناءها بعضهم ببعض، ومن أهم تلك الروابط هي اللغة، باعتبارها أداة التواصل والتفاهم.
في ثقافي المزة بدمشق قدم الدبلوماسي السابق والمحامي أحمد خزعة نشاطاً حوارياً تحت عنوان “محددات الهوية ومعوقات نهوض الأمة”، مؤكداً أن الهوية تمثل روح الأمة في جسدها، وهي حقيقتها النابضة بالحياة بصفاتها التي تميزها عن غيرها من الأمم الأخرى، مضيفاً أن الأمة العربية بلغتها ودورها الإنساني، وصفاتها الاجتماعية، وخلفيتها الحضارية التي تجمع بين أبنائها، وتوحد الروابط بين أفرادها، فقد كانت وعبر التاريخ هدفا للقوى الكبرى لإضعافها وتمزيق مكوناتها وبالتالي تمزيق الممزق، وخلق الصراعات فيما بين تلك المكونات، لتبقى قوى الشر والعدوان ممسكة بحبل اللعبة السياسية لإضعافها والسيطرة عليها، للحيلولة من دون نهوضها، وذلك بأساليب عدة منها: تعزيز لغة المستعمر ونشرها، بالإضافة إلى نشره تقاليده الغربية اجتماعياً وفكرياً.
وقال خزعة: نحن نرى أن الهوية العربية على الرغم من الموجات الاستعمارية المتعددة التي تعرضت لها أوطاننا عبر التاريخ بقيت صامدة لا تلين، محافظة على خصوصيتها لأنها تستمد وجودها وصفاتها من التاريخ ومن القيم الإنسانية العليا التي عاشت ونمت في وجدان الأمة عبر العصور، وبقيت عصية على المشاريع الهدامة التي تطلق الشعارات البراقة والتي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب والدمار بغية الاستيلاء على خيراتها، واستعباد أهلها، وتمزيق وحدتها الوطنية والقومية، لخلق الصراعات الدامية فيما بين مكوناتها. فالهوية بالنسبة للأمة تمثل الروح في الجسد.
وبين أن الغرب الاستعماري بثوبه الجديد البراق مازالت تراوده الأطماع بإعادة التاريخ إلى الوراء لماضيه الأسود.
ويبقى السؤال أين موقع النظام السياسي العربي في ظل ظهور قوة جديدة وتراجع أخرى، وتشابك العلاقات والمصالح والأطماع الظاهرة والمستترة بخيرات الوطن العربي، وما يمتلكه من مخزون وطاقة وموقع جغرافي متميز بين قارات العالم الثلاث، الذي مازال هاجساً لأعدائه وما يمتلكه من خيرات على تلك المساحة، إن الموقع الجغرافي المتصل بين أقطار العربية من دون حواجز يعزز الروابط الثقافية والفكرية والاجتماعية، ويوثق عرى التواصل بين أبناء الوطن الواحد.
وبين خزعة أن المتأمل بواقع الأمة العربية يلاحظ وجود تشابه في مشكلاتها إلى حد بعيد سواء على الصعيد السياسي أم الاجتماعي وإلى حد ما الاقتصادي، وهي تمتلك بالمقابل جميع وسائل النهوض ونفض الغبار عن الماضي فهي تعيش في مساحات شاسعة على حدود لها ونسبه سكان كبيرة تمثل 5% من سكان العالم، و65% من المخزون العالمي للطاقة البترولية، و28% من احتياطي الغاز، وهذا قبل اكتشاف غاز وبترول شرق البحر المتوسط وتسيطر على مفترق قارات ثلاث، إضافة إلى الطاقات البشرية الهائلة من العلماء والمفكرين والمبدعين، تجمعهم لغة واحدة وعادات وتقاليد واحدة وإرث اجتماعي وتاريخي لا شبيه له، وهي التي حملت رسالات السماء التوحيدية إلى البشرية جميعاً، ما يجعلها بذلك تمتلك جميع عناصر النهوض لتكون قوة دولية تنافس أقوى القوى على وجه الأرض.
إهمال علم الاجتماع:
وعن أسباب تخلف الأمة، أوضح أن أهمها هو إهمال الدول العربية لعلم الاجتماع على الرغم من أهميته في بناء الفرد وتطوير دولنا العربية بغالبيتها، أما بالمقابل في الدول المتقدمة كان هذا الاهتمام من أهم أسباب نهضتها، إن استعادة حالة الوعي السياسي بعين الرؤية الاستراتيجية والبحث عن الحكمة المفقودة وعدم التمييز بين الصديق والعدو، كما أن ما ينفق العرب على البحث العلمي مقارنة بالدول الأخرى هو قليل جداً بالنسبة لما ينفقه الغرب مما ينعكس على أسباب التخلف.
وعن معوقات نهوض الأمة أكد قائلاً: الخلافات الظاهرة والمستترة بين أنظمة الحكم في العديد من دولنا، وغالباً ما يكون خلفها قوى خارجية، بالإضافة إلى انتشار الأمية ولاسيما بين العنصر النسائي وأثرها على تربية الناشئة، إلى جانب غياب التفكير في بناء قوة عسكرية عربية والاهتمام بالتصنيع العسكري لحماية الوطن من الأطماع بدل الاستيراد، ناهيك عن اتساع الفجوة الاقتصادية بين الدول العربية النفطية والأخرى متوسطة الدخل والفقيرة في بعض الجوانب، والغنية في غيرها.
أيضا هناك ضعف الاستثمار من قبل صناديق التنمية العربية في الدول الشقيقة، تخلف الجانب الإبداعي عموماً وندرة العلماء العرب الذين ينشرون أبحاثا متميزة وجديدة في المجالات العلمية والعالمية وهجرة الأدمغة.
أخيراً.. إن حركة التاريخ لا تتوقف ولا ترحم من يتغاضى عنها ويهرب إلى الوراء ويغيب عن الضوء إلى الظلمة، والعالم من حوله يسير بينما هو واقف في مكانه، ومن كان هذا حاله فمصيره الخروج من دائرة العصر والبقاء في زوايا التاريخ المظلمة.