يجب ألا تكون عقولنا فارغة من رؤى للواقع الذي لم نستطع تغييره باتجاه الأهداف التي وضعت في إطار هدف الوحدة أو الحرية أو العدالة الاجتماعية، والحديث هنا يتعلق بالتيار القومي العربي أو رواد مشروع النهضة الذي تعود إرهاصاته الأولى إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والذي تمت بلورته عبر إطارات وأحزاب سياسية منها حزب البعث، فلا بد من تصور بديل للواقع الحالي للفكرة القومية والدولة القطرية في آن معاً حتى لا نعيد إنتاج فشلنا بوصفنا أبناء أمة سواء على مستوى بناء دولة قطرية قوية أم بناء إطار قومي جامع على أية شاكلة، فواقع الدولة القطرية يجب أن لايستمر وواقع التبعية للمركز الامبريالي الغربي يجب أن ينتهي بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والعلمية والتقانية وحتى الاستهلاكية على بساطتها، وهذا لايعني طبعاً التقوقع والتمحور حول الذات وفرض عزلة عن العالم ولكن برفض الاستلاب والتبعية الحضارية للخارج أيا”كان ذلك الخارج صديقا” أو حليفا” فهذا كله في الجوهر شكل جديد أو محدث من أشكال الاستعمار، فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لن تتغير في عالمنا العربي حتى يتغير واقع التجزئة الذي كان بالأساس حالة وواقعاً فرضته القوى الخارجية ولم يكن نتاج سياق طبيعي وتاريخي لنشوء وقيام دولة قطرية بل هو اجتزاء من واقع أمة كانت قائمة جيوسياسياً خلال مئات السنين، فتشظت لتتحول إلى كيانات قطرية هزيلة بالمعنى الاستراتيجي وغير قادرة على حماية نفسها من أخطار داخلية وخارجية تتهدد وجودها وكيانيتها حتى لو كانت غنية وتملك ثروات هائلة، فلربما كانت هذه الثروات سبباً لاستهدافها والطمع بها، فلابد لها لكي تحافظ على أمنها الوطني من عمق استراتيجي لها في جغرافيتها وبيئتها الثقافية والاجتماعية التي تشكل تاريخياً حالة متكاملة مستقرة ومستمرة، فالأمن القومي العربي كان يرتكز أساساً على هذه القاعدة الذهبية، فأمن وادي النيل مرتبط بأمن بلاد الشام، وكذلك أمن دول الخليج العربي وبلاد مابين النهرين، وهذه حقائق التاريخ والجغرافية، ولتحقيق ذلك الهدف لابد من تشكيل شبكات تواصل ينخرط فيها اليمني مع المصري والخليجي مع الشامي والعراقي وكذلك الليبي والجزائري والتونسي والمغاربي والموريتاني ويفكروا بمشاريع مشتركة، وهذا ليس دور النخب فقط وإنما المجتمعات والقوى السياسية بتياراتها المختلفة وليس بالضرورة أن يكون ذلك عبر الأحزاب، فيمكن لمنتسبي الأحزاب الانخراط فيها ولاسيما جيل الشباب عبر العالم الافتراضي وما يوفره من فرص تواصل، وهذا يطرح تحدياً على حزب البعث وقيادته المقبلة المنشودة، فلابد من استخدام روح العصر في تشكيل رؤية جديدة للواقع القطري لمنطقتنا العربية على وجه العموم فلابد من التخلص من تبعات الفشل الذي حصل في آليات عمل أجيال ماضية، ومن الخطأ ان يرتكب جيل أخطاء جيل أو أجيال سابقة مازالت مع الأسف تتمترس حول عناوين أصبحت تسبح وتصرخ في عالم الخيال مع التأكيد أن أجيالاً سابقة قد نجحت في تحقيق أهداف كثيرة ولكن لابد من الاعتراف في الفشل في تحقيق أهداف وعناوين كبرى ربما كان ثمة أسباب موضوعية وذاتية حالت دون تحقيقها ولكنها بالكاد لم تتحقق فلابد والحال هذه من مراجعة نقدية واثقة وواعية ومستبصرة لعدم تحقيق ذلك، فالاعتراف بالخطأ أو الأخطاء هو علامة قوية وليس أمارة ضعف، فالجيل الجديد يجب أن يحقق هذه القفزة النوعية على مستوى التفكير وعلى مستوى التنظيم والممارسة وعقلنة العمل السياسي، فثمة أفكار كانت بالتأكيد صالحة في زمن ما ولكنها اليوم لم تعد مناسبة بحكم التطور الحاصل في كل أساليب الحياة وشبكة العلاقات الدولية وآليات التواصل ومركزية المصالح الاقتصادية والمنفعة والبراغماتية في العلاقات الدولية فلا يجوز توريث الفشل تحت عنوان التمسك بالايديولوجيا الصلبة والمتكلسة.
أمام هذا الواقع وهذه الحقائق ونحن في حزب البعث نعيش حالة أمل بالقادم الجديد بعد حديث الرفيق الأمين العام للحزب الدكتور بشار الأسد في اجتماع اللجنة المركزية وما تضمنه من إشارات واضحة بأن الحزب مقبل على تغيير وتطوير ومراجعة لمشروعه السياسي والوطني وبرؤية تجديدية نرى في ما تمت الإشارة إليه ضرورة يستدعيها الواقع والمستقبل لكي يبقى البعث فعلاً حاضراً وليس ماضياً ومستقبلاً واعداً للوطن والأمة.