الملحق الثقافي- خالد حاج عثمان:
منذ أن وجد الإنسان وجد الحوار..ففي البداية كان تأمل الإنسان لقوى الطبيعة ومحاورته لها عن طريق عبادتها خوفاً منها وجبروتها أو طمعاً بقوتها ودرءاً لها وجبروتها وتسلطها وطغيانها..وكسباً لنعمها.. لكن الحوار هنا من طرف واحد..حوار سلبي في صورته لكنه إيجابي في معناه ومغزاه.. كذلك الحوار بين جبريل عليه السلام والرسول الكريم صلى ألله عليه وسلم:حين قال له:
/ أقرأ/..ويأتي رد النبيّ:» ما أنا بقارىء».. إنه الحوار طلب..أمر وجواب..حوار في صورته الإيجابية..
فالحوار مصدر للفعل الرباعي (حاور) ووزنه فاعل ومصدراه/ حوار/ و/ محاورة/ الأول سماعي والثاني قياسي..وكلاهما يدل على تبادل الحديث أو الكلام في صورته الحوارية والمناقشة والنقاش الثنائي الطرفين أو أكثر ..والذي يهدف إلى تحقيق غايات ومنافع ثقافية ..
أما الثقافة فهي مجموع العلوم والمعارف والفنون والآداب والقيم والسلوكيات والعادات والتراث وأنماط التفكير الإبداعي والإنساني والمهاري…..
وصحيفة «الثورة» وملحقها الثقافي إذ يطرحان هذه القضية في المشهد الثقافي والأدبي السوري والعربي واقعاً..وآفاق..
كيف يتجلى الحوار في المشهدية الثقافية والإبداعية السورية والعربية..؟
سؤال سألناه لعدد من المشتغلين بالثقافة والأدب والإبداع كافة:
حركة حوارية دائرية على كل الصعد..
الأديب والناقد الطبيب والباحث د.زهير سعود. يجيب عن سؤالنا:
الحوار في المشهد الثقافي السوري والعربي؟.. مسألة لا شكّ بأنها اعتمدت التقليد الغربي في تعميق أواصر الثقافة المشتركة بين معظم أصقاع الأرض، خارج السياق المشرقي، الذي ويا للأسف أنهى حضوره الثقافي والإبداعي لحظة اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكان قبلها قد ولج في سلسلة من الأنفاق المظلمة، التي حتّمت أمر ارتهانه للتبعية الثقافية والإبداعية. إن الحديث في حوار المشهد الثقافي العربي، يملي علينا أسئلة عظيمة، تمّ التطرق لها في بعض المواقع وبقيت واهنة العزم والدلالة، ولعلنا في جرأتنا على طرح مشروع الحوار الثقافي نسعى للإفادة من تقليد مدرسة «تل كوول الفرنسية» على سبيل المثال، والتي خاضت تجربة الحوار الثقافي أكثر من ثلاثة عقود، أنتجت بعدها ثقافة مجتمعات أوروبا وتقاليدها، التي من المؤسف لسعينا الحضاري أن نباهي بمعرفتها والإفادة منها، وليس هذا المثال فقط ما أرغب بالتذكير فيه، فكم أفاد الغرب الصراع الفكري الثقافي بين أصحاب المذهب البنيوي بزعامة «كلود ليفي شتراوس» وأتباع المذهب الوجودي بقيادة «جان بول سارتر» حيث سدّدت البنيوية للوجودية ضربة قاصمة في أواسط القرن الماضي، ليتجسد المذهب البنيوي في مختلف مجالات الإبداع الإنساني، وهو مذهب على الرغم من انغلاقه بحكم نمطه الخاص، فقد منح العديد من التعديلات الجوهرية على أسسه الراسخة، إن تأكيد إفادتنا نحن- المشرقيين- من ثقافة الغرب وسجالاته الفكرية لا يعني الألم من احتكاكنا بثقافات الغير، بل إن مصدر الألم هو غياب الصحوة بعد كل ما حدث ويحدث في محيطنا العربي بالعموم والسوري بالخصوص، وما يزيد الطين بلّة هو معرفتنا بتلك الحوارات التي حدثت بالفعل وتم تحطيمها لصالح الفكر «السلفي» قديماً، وما فرضه من حرق وتدمير لنتاجات فكرية ثقافية كان من الممكن التعويل عليها، ليس بالإفادة من مضمونها فحسب بل وخلق تقليد حواري نحن في أمسّ الحاجة إليه، فنحن لا نملك من أمر أغلب العلماء العرب والمسلمين من خارج السياق الديني سوى الاسم والقدح، وأغلب معارفنا بقيمهم الإبداعية أتت من الخارج…
إن موضوع الحوار في المشهد الثقافي يلزمنا بغرابة الطرح من الأساس، ذلك لأنه لم تنشأ منتديات ومؤسسات فكرية ترعى مثل هذا الحوار، فتجعله مكوناً ثقافياً لازماً لإدارة حركة نهوض وديمومة الإبداع المعرفي في مختلف مجالات الثقافة، وبالطبع فهذه النظرة التشاؤمية إلى حد بعيد لا تجعلنا ننكر ما قدمته الساحة العربية والإسلامية على صعيد الحوار، بدءاً بخيمة النابغة الذبياني وحتى المنتديات الفكرية المعاصرة، مروراً بنتاج المدارس الفكرية/ للمعتزلة وبلاط سيف الدولة الحمداني/ وأشغال الملتقيات والأندية والجرائد والمجلات قديماً وحديثاً، وفي المستويين المحلي والعربي، لكن ما يهمنا هنا هو عدم نشوء هيئات تخصصية للحفاظ على التراث الثقافي، والإفادة منه في تمرين حركة الواقع لاحتواء ثمرات الحوار المتعاقبة، والخلاص من أخلاط الماضي وعدم نجاعته في التصدي لمتطلبات العصور المتلاحقة…
أخيراً وباختصار فمما لا شك فيه فإن هناك حركة حوارية دائرة على الصعد المعرفية السورية والعربية، لكنها لم تكرس تقليداً جديراً بالاتباع والتطوير، وهو ما آن الآوان للتمسك فيه والسعي من أجل تكريسه، في الساحة المعرفية العربية بالعموم والسورية على وجه الخصوص..
ضرورة ترسيخ قيم وثقافة الحوار منذ الصغر..
الشاعرة والمتابعة للشأن الثقافي السوري والعربي عائشة السلامي .. هكذا عنونت مساهمتها.. مضيفة:
من اللافت للانتباه الحركة الدؤوبة للمراكز الثقافية في توسيع أنشطتها للكبار والصغار على حد سواء، وكذلك إقامة المهرجانات المحلية والدولية على مدار العام، ومن هنا أحببت أن أفتتح حوارنا من خلال تعريف الثقافة، وكيف يكتنز الانسان العلوم والآداب من خلال المطالعة المستمرة، فالثقافة هي مجموع العلوم القديمة والحديثة العلمية والأدبية الحائز عليها أي مجتمع من خلال تكريس أهدافه في تطوير المعلومة وحفظها ضمن مجلدات ومكتبات تشرف عليها الدولة للارتقاء بأفرادها نحو القمم، وتعتبر المكتبات العربية من أزخم مكتبات العالم، حيث تضم شتى أنواع العلوم، فقد برع العرب في شتى المجالات العلمية وتركوا لنا إرثاً حضارياً مشرقاً مازالت الأمم تهتدي بنوره إلى يومنا هذا، حيث إن تاريخه قديم قدم الحضارة العربية الإسلامية وماقبلها، حيث اتصفت الحضارة والثقافة على البحث والاستقصاء والاستنباط والتجارب العملية وتدوين ما يصلون إليه من نتائج ضمن كتب ومخطوطات موثقة، وقد تضمنت الكتب جميع أنواع العلوم بلا استثناء ابتداءً من العلوم الروحية والنفسية إلى الكتب الطبية والأدبية حتى الفكاهة برعوا في رسم حروفها ليرفهوا عن قلب القارئ، وقد توارثنا عادة القراءة والمطالعة عن أسلافنا لنزيد رصيدنا الثقافي والعلمي.
فنحن شعب يعشق العلم والتعلم، ولا يقبل الجهل والأمية، ونحن اليوم أمام سيل جارف من المعرفة الإلكترونية التي لم تبقِ ولم تذر، وعلينا مواكبة هذا التطور الكبير الذي يحسب كنقطة إيجابية في هذا الزمان، وكذلك يجب على الدولة أن تزيد من إمكانية المراكز الثقافية المادية لتشجيع المتفوقين فيها لأنها تعتبر منابر إشعاع ونور.
فطوبى لحضارتنا التي أبت إلا أن تكون في مصاف الحضارات عبر محرك البحث» غوغل»
آخر المطاف
ويبقى الحوار والنقاش الثقافيان الركيزة المهمة في المشهد الثقافي الكلي السوري والعربي..ونتائجهما لاتخفى على أحد في بلورة الوعي الثقافي الجمعي للمجتمع …أكان ذلك على المستوى الفردي أم المؤسساتي..ولكن للأسف الحوار بصيغته ومستواه اللذين نريدهما..ونأملهما غير موجود..هو كائن بخجل واستحياء..حتى في المناشط والامسيات الثقافية والإبداعية هو غير فاعل وغير متحقق..
لأكثر من سبب ..أهمها سيطرة الشللية والمحسوبيات على الساحة الثقافية..نظرية(شيلني لشيلك) وامدحني لأمدحك..وانظر إلي بعين أنظر إليك بكلتا عيني..وهذا مانجده في المنابر والأنشطة الثقافية ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ولاسيما المجلات..
حتى الأنشطة في المراكز الثقافية خلت من الحوار فما إن تنتهي الأصبوحة أو الأمسية حتى ينفض الجميع بمن فيهم الشعراء لأن لاحوار يعقب ذلك النشاط..
نحن في الساحة الثقافية والإبداعية في سورية والوطن العربي نفتقد للحوار النقدي الإبداعي البناء ..
إلا من بعض الكوى المضيئة والتجارب الرائعة كما تقوم به جريدة الثورة عبر ملفات ملحقها الثقافي الذي يرأب الصدع الحادث ما بين المبدع والمبدع..
مابين الناقد والأديب..
مابين المتلقي ومنتج الثقاقة والخطاب الإبداعي..
فهل نتنبه إلى حجم الخطر المحدق بالمشهد الثقافي لدينا..وعلى مستوى الوطن العربي..نأمل!
العدد 1175 – 23 -1 -2024