الملحق الثقافي- رجاء شعبان:
لو أتينا لكلمة حوار لوجدناها تعبّر عن منطقة آمنة من الأخذ والعطاء والردّ بالأحاديث المتنوعة ومختلف عروض الثقافة والكلام والإعلام…
حوار.. يعني عرضاً وتفاعلاً ومشاركة وتبادل رأي واشتراكاً وصولاً إلى اتفاق من بعد نقاش…
حوار.. يعني وجود هدف وخطّة ونتيجة نخرج بها تكون إيجابيّة طبعاً لتغيير منهج أو اتباع سلوك آخر بناءً على معطيات نظرية جرّبها الواقع وفشل في بعض مواقعها ونجح بالآخر…
حوار.. يعني انطلاقاً للأمام وتقدّماً بالمعطيات بناءً على دراسة ماض من أجل إضافة عليه وتطوير ما…
والحوار يطول حول الحوار… لكن هل نجح الحوار عندنا على الساحة السورية والعربية فكريّاً أو من جانب ما من جوانب الحياة ككل؟
هل الحوار الثقافي أساس كل الحوارات ومنه تتفرّع باقي الاتجاهات في السياسة والاجتماع وغيرها؟
نعم المنطلق فكري وثقافي ومعنوي وصولاً لسلوك ومعطى وتنفيذ واقعي..
لن نكثر من الأسئلة لكن في زاوية ما طرح السؤال يعني الإجابة عليه وتوليد الفكرة بالأساس…
من أجل الإجابة والاستكشاف والاستشراف لابدّ من عودة وإلقاء نظرة عامة وشمولية لما نحن فيه الآن من معطيات العصر…. فما هو العصر الذي نحن فيه؟ هل عصر الثقافة والحوار….أم عصر الأيديولوجية المؤدلجة الجاهزة؟ هل هو عصر فتاتات العصور أم قيم جديدة مستحدثة؟ أين نحن الآن من العالم ومن حولنا ومع بعضنا؟ هل مازلنا أحياء واقعياً أم متنا حوارياً معنوياً؟ بالحقيقة لايمكن فصل الحوار عن الأزمات التي يعيشها العصر وبالعموم يكون الحوار ذا نتيجة جادّة قبل أن تتفاقم المشاكل وتتحوّل لأزمات… أزمات أياً كان نوعها فهي تؤثر على مناحي الحياة عامة.
وفي عالمنا المعاصر… العالمي أو العربي أو السوري… هل عشنا أزمات وهل نعيش الآن أزمات؟ من هنا نعلم قيمة وفعالية الحوار….!؟
في عالمنا العربي نعيش ذروة الأزمات ومن شتى الاتجاهات وبكلّ المجالات… أزمات تلاحقت وتراكمت حتى انعدمت طرق الحل واختنق الحوار وتحوّل كل شيء إلى حصار…. سيقول قائل كيف هذا وكلنا نملك ثقافة الحوار ونتحاور بل ننشر أبسط ماعندنا وأغلى ماعندنا على منصات التواصل ونتشارك الحلوة والمرة ونتبادل التعازي والمباركات ونتفاعل أيما تفاعل وخير مشاركة وعواطف وانفعالات…
وهذا صحيح…. حقاً صحيح… فمع تطور أدوات العصر تتطور أساليب الحوار ولكن هل يبقى الحوار بجوهره، حوار بهدف وخطة ومعنى ونتيجة أم مجرد ردّات فعل وثرثرة وعرض واستعراض؟ هل يهمه الحالة العامة أم يقتصر على الحالة الفردية الانتهازية سواء الفارغة أم الممتلئة؟ مَن يدير هذا الحوار؟ الجمهور نفسه؟ نعم…! مَن الرقيب؟ لا أحد…! مَن القائد؟ أنفسنا…! مَن معلّمنا؟ التعليقات أو الإعجابات!.
هل هذه حالة صحية طبيعية منطقية؟ نعم طبيعية فرضتها الضرورة لكن خرجت عن المنطقية باتجاه الشخصنة الانفعالية التعبيرية المؤقتة وربما الوهمية… كمن ينفخ بالونات جميلة وملونة ويفرح بها وتحت أي طارئ صغير تصطدم به تنفجر وتعود للاشيء.
الحوار الثقافي أو الإبداعي كان ثقافة حقيقية خاصة بنا وجميلة وربما أخذ منحى الاتجاه الواحد لكن كان حواراً عبر وسائل الإعلام ووزارات الثقافة والإعلام والصحف والمجلات، و مؤسسات واتحادات تقيم فعاليات وتقيّم حالات وتنقد أو تُخرج كتباً وتربية وتعليماً أساسياً وعالي المستوى وصولاً لمراكز ثقافية ومجالس للعلم والأدب…. الآن كتب من دون ثقافة… نشر من دون حوار… الرأي الواحد والمزاج بعيداً عن المهنية والحالة النقدية البنّائيّة، فمن أحب أن يسمع فليسمع ومن لايريد فالدرب أمامه… وهكذا من حالات البعثرة والفوضى التي تأخذ صفة التحرر والحرية…. أين اللجان الرسمية أو الشعبية أو السياسة أو أية حالات رقابية تعليمية أو منهجية ثقافية؟ أين دور السائل والمسؤول… أين الاجتماعات الفعالة واللقاءات التي تخرج بنتيجة وليس فقط تعبئة الفراغ وسياسة رفع العتب ووصولاً لن أفعل شيئاً «وروح بلّط البحر»؟!.
نحن في حالة يرثى لها… تعدد من كل شيء أشياء وضاع الشيء الواحد…. كثرت المبادئ وضاعت القيم…. تفرعت الدروب وانعدمت الرحلة…. وجد وضاع كل شيء… حالات الضباب فالدخان المسيطر أعمى كل شيء فكل واحد غدا يريد أن يثبت حاله بحاله أنه عظيم وبريء ومكابد ومبدع وذو شأن… وللحقيقة كثرت منصات الحوار والتواصل وضاع الوصل الحقيقي… كثرت الأحاديث وضاعت الكلمة…
كان كل شيء يمشي بشكل صحيح طالما في الطريق الصح… الآن تفرعت الدروب وتعددت الأدوات وكثر الثراء وانصبنا بالفقر والعدم والعدمية…. ننقرض من أصولنا ونستبدل حالنا وأحوالنا بمزيّف سوف يطغى علينا وليس من رادع ولا من يوقف هذا الطوفان إلا كارثة أعظم تبيدنا من جديد كما أبادت الحضارات الأخرى قبلنا وتعيد تشكيلنا من جديد بهدوء وتوءدة وقد خسرنا كل شيء.
فالغوث الغوث من عقلٍ فينا… ضمير يصحينا… نشاط يحرّكنا.. أمل يصنعنا من جديد… مبدأ يعمّرنا… تفاؤل يحيينا… إيمان ينعشنا…. ودرب جميل نصنعه بأنفسنا من خير أحلامنا ولحظات أعمالنا ريثما تعود المجريات لمنابعها والأنهار تجري في مجاريها…. والسلام على رافع علم متبع سبيل الكلمة الطيبة والحوار الجميل وصولاً لثقافة مجتمعية تعيد ذاكرة الأجيال وتحيي الميت من القيم…. فنعود حينها ويعود معنا كل شيء.
العدد 1175 – 23 -1 -2024