تفاجأ الكثيرون – وتفاجأنا معهم – يوم الأربعاء الماضي 31 كانون الثاني بأنْ كشفت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن تشريعٍ غير مألوف، صدر يوم الثلاثاء 30 كانون الأول، كان مثيراً للدهشة ومُحرّضاً للاستفسار عن أبعاده وأسبابه ولكنه كان مفرحاً أيضاً على الرغم من عدم وضوح تفاصيله، وبالنسبة لنا مثير للفضول أيضاً لكشف الغموض الذي يعتريه.
فقد أصدر السيد الرئيس بشار الأسد المرسوم التنظيمي رقم ( 32 ) بتاريخ 30 كانون الأول 2024م والذي قضى بمنح السيد المهندس (إسماعيل محمود منلا) العامل من الفئة الأولى لدى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك – المؤسسة العامة لتجارة وتخزين وتصنيع الحبوب، علاوة ترفيع استثنائية على الأجر بنسبة 20 % من أجره الشهري المقطوع … نظراً لتقديمه إنجازاً قيّماً حقق اقتصاداً في النفقات.
ورحنا نتساءل.. وتساءل الكثيرون ما الذي أنجزه إسماعيل ..؟ وكم هو حجم الاقتصاد الذي حقّقه في النفقات ..؟ وغدوتُ أسأل عن إسماعيل، وأبحث عنه حتى وجدته، ولحسن الحظ لم يكن العثور عليه صعباً وخاصة بعد أن سهّل الأمر علينا السيد وزير التجارة الداخلية محسن عبد الكريم مشكوراً، فإسماعيل هو مدير المواد والأمن الغذائي حالياً في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وقد أنجز ما أنجزه اجتهاداً وطواعية قبل أن يتسلّم هذه المهمة.
ما إن عثرتُ عليه حتى بادرته بالمباركة على هذا التكريم الجميل الذي منحه إيّاه السيد رئيس الجمهورية، وقلتُ له ليس قليلاً أن تُكرّم على أعلى المستويات وبمرسوم جمهوري خاص بك .. كانت علائم الغبطة واضحة على وجهه، وعبّر عن سعادته فعلاً وعن شكره العميق للسيد رئيس الجمهورية الذي اقتنع بهذا الإنجاز .. فكان المرسوم.
ولكن ماذا أنجز إسماعيل ..؟
باختصار ومن الآخر فإن المهندس إسماعيل استطاع أن يوفّر لخزينة الدولة ما لا يقل عن (100) مليار ليرة سورية سنوياً وبلا انقطاع، أي أن هذا الوفر مستمر على مدى الأيام والسنين، فبعد سنتين سيصير (200) مليار .. وبعد خمس سنوات (500) مليار ومع مرور عشر سنوات سيصل الوفر إلى تريليون ليرة .. وهكذا .. وهذا طبعاً بالأسعار الحالية .. فإن ارتفعت الأسعار خلال السنوات القادمة سيرتفع هذا الوفر معها أيضاً .. ولكن أي أسعار ..؟ وكيف ..؟
الأسعار التي نقصدها هنا هي أسعار خميرة الخبز، فقد لاحظ إسماعيل – وهو مهندس زراعي تحدث في جزءٍ من مشروع تخرجه عن عمل الخمائر – أن نسبة الخميرة التي تُضاف يومياً في الأفران على العجين عالية ومن المفترض – نظرياً على الأقل وحسب معلوماته وخبرته – أن تكون أقل من ذلك، فبدأ بإجراء التجارب العملية على هذا الأمر إلى أن توصّل إلى نتيجة يقينيّة وموثقة بالقرائن والدلائل التجريبية مفادها أنّه استطاع اختصار الكميات المستخدمة بمقدار (2587) طناً في العام دون حدوث أي تأثير لمواصفات الخبز على الإطلاق، واليوم سعر طن الخميرة يصل إلى (42,5) مليون ليرة، أي إن الكميات المختصرة تصل قيمتها في كل عام – بالأسعار الحالية – نحو (110) مليارات ليرة، وباعتبار هناك خميرة جافة وأخرى طرية بأسعار مختلفة فيمكن افتراض أن الوفر السنوي لا يقل وسطياً عن (100) مليار ليرة.
بوركت الجهود الطيبة والضمائر الحيّة، ورغم كل الآلام فإن سورية تبقى بالفعل غنية بعقولها وكوادرها، وتبقى أيضاً مشبعة بالفرص الذهبية الممكنة التي تنتظر من يطرق أبوابها بمثل هذا الإخلاص.