في الحقيقة لا تُحسد حكومتنا على ما وصلت إليه حيث ثقة الكثيرين يإجراءاتها لتحسين حالة المواطن المعيشية من فقد بدت وكأنها غير قادرة على إحداث نقلة نوعية بهذا الخصوص، وعبر اتخاذها للعديد من الإجراءات والقرارات التي ساهمت فعلياً في سوء الأحوال ولاسيما رفعها لأسعار المواد ذات الأثر البالغ والتي تنتجها أو تحتكر إدارة تسعيرها كالاسمنت والمشتقات النفطية وما إلى ذلك.. إلى أن صار الناس يشتبهون بأي تصرف أو حدث حتى وإن كان خارجاً عن إرادة الحكومة، ولا يتوانون عن توجيه الاتهامات القاسية ولو أنهم غيرمتأكدين من صحتها كما يحصل اليوم تجاه وحدة تعبئة الغاز في سنجوان بمحافظة اللاذقية، فالاتهامات بالفساد والتواطؤ راحت تنهال على الحكومة من كلّ جهةٍ وجانب، فبدا الصوت الحكومي خافتاً أمام صراخ الاتهامات التي بدت أشد عزماً من عزم السيل الهادر الذي قذف بآلاف جرارالغاز الجديدة إلى الشوارع والساحات وصولاً إلى سكة حلب..!.. كان المنظر فظيعاً وجذاباً .. نهرٌ من الجرار يجري مسرعاً بين البيوت والحارات.. !
وفي الوقت الذي تهافت فيه المسؤولون إلى المكان .. وزير النفط والمحافظ ومدير سادكوب وغيرهم، كانت قذائف الاتهامات تسابقهم مسرعة مع سيلِ الجرار، وتقفز فوق تأكيدات وزير النفط بأن الأمر لا يعدو أكثر من كونه كارثة طبيعية تمّ التعامل معها بسرعة، وأن أعداد الاسطوانات المفقودة غير دقيق وسيتم الاعلان عن المعلومات الدقيقة حال انتهاء عمليات الجرد.
ولكن من سوف يسمع ..؟ إذ لا مجال للثقة عند الكثيرين لا بجردٍ ولا بتحقيق، فلم تهدأ الاتهامات التي على الرغم من أهميتها وإمكانية صحة بعضها كالتقصيرعن العناية بتثبيت بوابات وحدة سنجوان جيداً ،ولاسيما أن سيلاً من الجرار كان قد حصل منذ أعوام بحادث مشابه في المكان نفسه، أو كالاتهام بخلط أوراق العقد المبرم مع الهند لاستيراد جرار الغاز الجديدة، فالحادثة ستفضي إلى نقص أعداد غير قليلة من الجرار تؤدي بالنهاية إلى خروج سارقي الجرار من القضية كالشعرة من العجين، وما إلى ذلك من الاتهامات الجديرة بالتوقف والتأمّل.
ولكن في الحقيقة لم نحظَ بأي اتهام يستند إلى دلائل قوية ولا قرائن ثابتة، فكانت مجرد آراء وتحليلات ووجهات نظر تعكس مقتَ الناس من الإجراءات الحكومية غير العادلة.
الشيء الوحيد الذي يبدو حتى الآن مقترناً بالدلائل هو أن ثمة عاصفة مطرية هائلة قد حصلت في اللاذقية وتدفقت الأمطار بشكلٍ كارثي أتت على أضرار كثيرة في أماكن عديدة، منها حظيرة أبقار مُنيَ صاحبها بنفوق ثروته الحيوانية، ومنها وحدة تعبئة الغاز بهذا الشكل المثير الذي رأيناه بعشرات الفيديوهات والصور، وما دون ذلك فلا دليل حتى الآن.
كي نكون منصفين ما علينا سوى انتظار الحقائق لنقف على الأسباب والأدلة التي يركن إليها العقل بلا شبهات، وهذا واجب مهني – بالنسبة لنا كصحافة – وإنساني أن نتبيّن الحقائق قبل إطلاق التُّهم، وعلى الجهات المعنية أن تُسارع أيضاً إلى إجراء تحقيق جاد وحيادي يوضح الحقائق ويضع النقاط على الحروف.