أذكر أني التقيت حكيم مرزوقي قبل سنوات في مونودراما عيشة لفرقة مسرح الرصيف التي أسسها مع الكاتبة رولا فتال.
عمله حينها جاء بنكهة مسرحية لاتنسى.. أذكر تلك الإضاءة الخافتة حيث كانت تقبع الممثلة الوحيدة لتملأ جنبات المسرح حياة، رغم فقر السينوغرافيا، إلا أن الثنائي حينها مرزوقي والفتال تمكنا من خلق إبداع لا ينسى.
تتالت أعمال مرزوقي المسرحية “اسماعيل..هاملت،بساط حلبي”.وفي كل لقاء كنت أكتشف مدى الإبداع المغاير الذي يكتنف روح هذا الكاتب الغريب.
أكثر من ثلاثين عامًا جاب مرزوقي في حواري دمشق وزواريبها، بحيث أصبحنا نراه دمشقياً أصيلاً، وحين غادرها لم نشعر يوماً ونحن نقرؤه أنها غادرته، يترقبها من بعيد حانقًا، حزيناً يتمنى لها عودة لا مكابدة فيها.
لقب بعاشق دمشق، ولم تنسه دروبها خاصة القديمة منها، تلك التي كان يعتكف فيها ويكتب نتاجه المسرحي لتحتضنه مسارح دمشق، ليته يرى كيف يرى بها مثقفو ومبدعو دمشق وحتى مسرحيوها ومسارحها كل هذا الحب.
منذ استيقظنا في الصباح الباكر، الكتابات التي ترثي الراحل لاتهدأ و لاتصدق أن المبدع المخلص لدمشق قد رحل.
تضيق بنا دروب الحياة ونحن نودع مبدعاً إثر آخر.
غريب أمر رحيلك المفاجئ، ولكنه يشبه كل تلك الأفكار العبثية التي كانت تتدفق علينا في عروضك وكتاباتك، ولعل أقساها ذلك المقال الذي كنت ترثي فيه مكتبتك وأنت تغادر دمشق خوفاً على عائلتك متجهاً صوب تونس، وكأنك حينها كنت تودع الحياة، في غفلة منا نحن الغارقين في تلك الأصوات المبهمة التي كلما ألمت بنا مصيبة، نستفيق من هولها ثم نعود إلى حالة سبات مؤقت آملين أن ينجو الأحبة يومًا، ولكن ليس كما نجوت!.
السابق
التالي