يرى «تروتسكي» أنَّ الثَّورة أو التقدُّم الاجتماعي لا يكتمل بمجرَّد توفير الخبز، أي الحاجات المعيشية الأساسيّة، بل يجب أن يُتاح للإنسان نصيبه من الجمال والفكر والإبداع، أي «الشِّعر» بمعناه الرمزيّ، الثقافة، الفنّ، والرّوح.
فالخبز يرمز إلى العدالة الاقتصاديّة والعيش الكريم، والشِّعر يرمز إلى الارتقاء بالرّوح، إلى الحريّة الفكريّة والجماليّة، وإلى إنسانيّة الإنسان التي لا تكتمل بالمادّة وحدها.
إنَّها فكرة تلخِّص ببلاغة حلم الإنسان، أن تكون الثَّورة من أجل الإنسان جسدًا وروحًا، لا جسدًا فقط.
وإن عدنا إلى الشِّعر السُّوري ـ بكلّ تحوّلاته ـ فقد كان أكثر من مجرَّد فنٍّ لغويٍّ، إنَّه فعل بقاءٍ في وجه المحو، وصوتٌ للذّاكرة حين تُحاصرها العتمة. من مملكة الصّمت إلى فضاء الحريّة، عبرت القصيدة السُّوريّة زمن الدَّم والدَّمع، لتقول إنَّ للإنسان نصيبه من الخبز، لكن له أيضًا نصيبه الأجمل من الشِّعر، لأنَّ الكلمة حين تُولد من الألم تصبح وطنًا لا يُهدم.
فكيف ننسى شاعر الكرامة عمر أبو ريشة و قصيدته” في سبيل المجد والأوطان” التي أصبحت نشيدَ سوريّا الحرّة؟، وكيف لا نستذكر شاعر المرأة نزار قبّاني بأشعاره التي مُنعت من التّداول، حين كانت السياسة تُشاكس الحبَّ وتدخل في دهاليزه؟
نعم، لطالما كان الشِّعر صرخةً ضدَّ الإبادة، والنسيان، والتَّهجير القسريّ. لطالما كان التَّميمة التي يعلِّقها الشّعراء على عنق المنفى وينعتقون، هكذا يكون الشِّعر حرًّا من كلِّ قيد، معجونًا بالحريّة والكرامة التي نحتفي بها اليوم على امتداد الوطن.
وبالعودة إلى تروتسكي الذي قال: “يجب أن نوفِّر لكلِّ إنسانٍ نصيبه من الخبز ونصيبه من الشِّعر”، المجبولين بماء الكبرياء، وحبر الحريّة والكرامة.
