مَحَال حلب الأثرية.. أسطورة الصمود التي لا تنكسر

تحقيق: راما نسريني:

لم يستثنِ القصف الوحشي الممنهج، الذي عاشته حلب فترة حكم النظام البائد مدينةَ حلب القديمة والمنازل الأثرية والمحالّ العريقة فيها من قصفه وتدميره. في هذا التحقيق نتناول واقع الترميم للمحال التجارية والأسواق الأثرية في المدينة القديمة، التي يتعدى عمرها آلاف السنين.. في السنوات الأخيرة، شهدت بعض الأسواق سعياً حثيثاً لترميمها، وإعادة فتح أبوابها من جديد أمام الزوار، في حين شهدت أسواق أخرى محاولات خجولة لإعادة الحياة إليها.

لكن تلك المبادرات لم تكن كافية بالفعل، ولا تتناسب مع الوقت المهدور، الذي كان من شأنه أن يغلق ملف إعادة إعمار المدينة القديمة بالكامل، فيما لو حظي بالاهتمام الحقيقي. لكن، وفي ظل (نظام البراميل) لم يكن ذلك ممكناً بالطبع، إذ كيف بالذي هدم البيوت فوق رؤوس سكانها، أن يعيد إعمار ما قصفه ودمره بيديه؟. لذلك فقد عاشت أسواق المدينة، حالها كحال أحياء حلب كافة، حالةَ الإهمال، والآن هي في انتظار خطوات جدية، واضحة ومباشرة، تعيد لتلك الأسواق وجهها التاريخي المشرق.

شهادات حيّة

يقول “أحمد كراسي” لصحيفة الثورة: “الأمانة السورية للتنمية” هي التي استلمت مشروع الترميم برمته، حيث بدأت في العام 2017 بسوق الحدادين، واستمرت نحو 4 سنوات، ولم تنتهِ. وطالب كراسي الجهات المعنية بتوضيح آلية الترميم الجديدة، وما إذا كانت ستتم بوساطة منظمات محلية أو دولية، أم أن الترميم سيكون فردياً؟، مبيناً أنه حصل على رخصة من الآثار ومجلس المدينة ومديرية الأوقاف، كون المحل تابعاً للأوقاف، وبعدها جاءت لجنة للكشف لتحديد مساحة المحل. وبعد البدء بعملية الترميم كانت اللجان تشرف على المواد المستخدمة أثناء الترميم، خاصة أن هناك تحديداً لنوع حجر معين، لا يمكننا استخدام غيره لكي يكون متناسباً مع القيمة الأثرية للمحل”. “عادل بركات”، صاحب محل متضرر في المدينة القديمة، قام بترميمه في العام 2018.

شرح الصعوبات الكبيرة التي عانى منها أثناء عملية الترميم، وتمثلت بتدخل الأمن العسكري زمن النظام البائد في سير عملية الترميم، سعياً منهم لعرقلة العمل، في سبيل الحصول بشكل غير مباشر على رشاوى من أصحاب المحال، الأمر الذي جعل الترميم يتأخر لما يقارب السنة على حدّ تعبيره.

نهضة جديدة

إبان سقوط النظام البائد، عاد ملف إعادة إعمار أماكن حلب الأثرية والتاريخية ليتصدر المشهد من جديد. والبداية كانت بالطبع من قلعة حلب التي شهد العالم إعادة افتتاحها منذ أيام، الأمر الذي جعل الأنظار تتجه مجدداً نحو الجامع الأموي الكبير، الذي تم البدء بأعمال ترميمه منذ سنوات ولم ينته حتى الآن! ومع عودة النازحين والمهجرين بعد تحرير البلاد، شهدت المنطقة حركة واسعة على صعيد إعادة الإعمار، حيث عاد أصحاب المحلات ليتفقدوا أملاكهم، وللبدء بالإجراءات القانونية اللازمة لتأهيلها. وبالفعل فقد تم افتتاح بعض المحال التجارية، بعلم المسؤولين عن قطاع المدينة القديمة، ومديرية الآثار والمتاحف للتأكد من أن عمليات الإعمار تحافظ على الهوية الأثرية للمنطقة.

“فريد سمان”، (أبو محمد)، يقول: بعد التحرير تمكنت من العودة إلى محلي في منطقة السبع بحرات، وتبين لي أنه يحتاج لترميم شامل، كي أتمكن من العمل به، الأمر الذي دفعني للبدء في الإجراءات القانونية تمهيداً لإعادة تأهيله”.

أبو محمد الذي قضى سنوات من عمره خارج أرض الوطن، أكد عزمه استئناف عمله في المدينة القديمة حالما تنتهي أعمال الترميم التي تشهد اهتماماً كبيراً في الآونة الأخيرة، وذلك في إطار إعادة الحياة لأحياء حلب القديمة. حسام محفوظ صاحب أحد المحال التجارية التي تم ترميمها فيما بين عامي 2017 -2023، أوضح لصحيفة الثورة أن إجراءات الترميم كانت معقدة جداً في السابق، بينما تحاول الجهات المعنية اليوم تسهيل المعاملات، في محاولة لإعادة الحياة للمدينة القديمة في أسرع وقت ممكن. وأوضح أن محله احترق بالكامل بما فيه من بضائع أيام القصف الوحشي الذي تعرضت له المدينة القديمة، وعندما عاد للترميم لإعادة فتح المحل زمن النظام البائد، أغرقوه بالإجراءات والأوراق والموافقات، التي أعاقت عملية فتح المحل لوقت طويل.

قوانين جديدة

من خلال رصد التغيرات الحاصلة في الإجراءات بعد تحرير البلاد، واكبت صحيفة الثورة هذه التغيرات مع الجهات المعنية، والبداية كانت مع مدير قطاع المدينة القديمة في حلب، المهندس “أحمد شهابي” الذي أكد أن الموافقة على الترميم يمكن أن تكون فردية، إذا كان الضرر في المحل فقط، أما إذا كان كامل السوق متهدماً، فيفضّل أن يتمّ ترميم وإعادة بناء السوق بشكل جماعي، وذلك يعود لكون الأسقف “غمس” للمحلات وأسقف “الغمس” لمحور السوق مترابطة مع بعضها، ولا يمكن تشييدها بشكل منفصل، موضحاً أن ذلك يعود لتقدير اللجنة الفنية لحماية المدينة القديمة.

وتابع: فيما يخص لجان متابعة أعمال الترميم، فإن ذلك يتم من خلال مهندسي شعبة المراقبة في مديرية المدينة القديمة، ومهندسي الآثار من شعبة المباني في مديرية آثار ومتاحف حلب، وهناك مساعٍ حثيثة لتسهيل الإجراءات، حيث قامت لجنة حماية حلب القديمة باتخاذ قرار جعل الحد الأدنى للأسهم المطلوبة من المالكين للبدء بالترخيص هو (300 ) سهم، بينما كان قبل التحرير ( 600) سهم، مشيراً إلى أن ذلك يسهم في التسهيل على المواطنين من أجل الحصول على رخص الترميم المطلوبة، والعودة إلى المدينة القديمة وإعادة إحيائها، وهناك ورشات عمل لغاية تبسيط الإجراءات وتذليل المعوقات.

مشاريع قريبة

بدورها لفتت مديرية الآثار والمتاحف بحلب إلى تعديل بعض الإجراءات الخاصة بإعادة الإعمار التي كانت متبعة زمن النظام البائد، لتسريع عودة عجلة الحياة إلى المدينة لطبيعتها، من دون توضيح ماهية تلك الإجراءات!. وفيما يخص المخالفات بينت المديرية أنها تلاحق جميع المخالفين، وتحاول بشتى الطرق تقليص عددها قدر الإمكان.

أما فيما يخص المتابعة للأعمال الترميمية، فقد أوضحت المديرية أنها تُتابع أعمال الترميم الخاصة بالمباني الأثرية، وذلك عبر فريق مختص من المهندسين الآثاريين، ضمن جولات خاصة لمتابعة سير العمل، وأن هناك دراسات وعروضاً قُدمت لإعادة ترميم بعض الأسواق، وأن العمل جارٍ لدراستها بشكل مفصل.

رأي مديرية الأوقاف

مديرية أوقاف حلب، قالت – خلال ردها على تساؤلات صحيفة الثورة- إنها تمنح موافقة فردية على أعمال الترميم، ويتم الحصول على رخصة ترميم من مديرية المدينة القديمة، حيث يتقدم المستأجر بطلب الترميم إلى مديرية الأوقاف، وتقوم شعبة الأملاك بالكشف على العقار وتزويد المستأجر بالموافقة على الترميم مع مخطط ووصف للعقار، بموجب كتاب موجه لمديرية المدينة القديمة لاستكمال إجراءات الترخيص.

أما فيما يخص عمليات المراقبة والإشراف فأوضحت أن أعمال الترميم تتم بإشراف المسؤولين عن المدينة القديمة، ويعود ذلك لعدم وجود كادر من المهندسين لدى مديرية الأوقاف.

في المستقبل القريب

حلب، تلك المدينة العصية على الدمار، العنقاء التي تُبعث من تحت رمادها دائماً، والتي وقفت شامخة راسخة في وجه كل التحديات، ستعود بهمة أهلها وقوة إرادتهم وعزيمتهم، ستعود لتنفض عنها غبار الحرب الجائرة، وتقف بوجه كل من راهن على خرابها، وساهم فيه، لتعلّم العالم كيف يُكتب التاريخ، وكيف تنهض الأمم من تحت الركام.

آخر الأخبار
الدراجات النارية في قفص الاتهام.. سرقة الحقائب في حلب خطر يتصاعد! مَحَال حلب الأثرية.. أسطورة الصمود التي لا تنكسر ركلات الجزاء كابوس النجوم في تصفيات كأس العالم 2026 المغرب وفرنسا في نصف نهائي مونديال الشباب غانا تخطف بطاقة التأهل إلى موديال 2026 نجم كرواتيا قد يموت في أي لحظة سيناريوهات التأهل لمونديال 2026 تُشعل الملحق الآسيوي قبل جولة الحسم ميسي يضيف رقماً قياسياً جديداً إلى سجله انتخابات اتحاد الكرة بين الحالة الصحية والرغبة السلطوية هل يدرب (لانا) أولمبي كرتنا؟.. مصير مجهول وتحضيرات مبهمة قبل النهائيات بين سوء الفهم وسوء النية.. الكرة السورية تستعيد روحها من خلال انتخابات قادمة السويداء "منا وفينا": حملة وطنية تتجاوز الألم وتعيد بناء الثقة  صندوق خاص للسويداء.. تعزيز الشعور بالانتماء وترسيخ الوحدة الوطنية   مصادرة أسلحة ومخدرات في ريف درعا الشرقي  سويداء الوطن..  صندوق للسويداء  والإعمار بالاستثمار   طريق يربط بين الزبداني وهريرة لتسهيل خدمات المناطق الجبلية  وزير السياحة: تذليل العقبات التمويلية التي تعترض الأعمال   فيدان: أمن سوريا غير منفصل عن أمن تركيا  الشرع يترأس اجتماعاً موسعاً للحكومة ويصدر توجيهات لتعزيز التنسيق الوطني