عندما تم التوقيع بين الرئيس أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي على اتفاق “10 آذار 2025″، والذي قضى بوقف إطلاق النار واندماج “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن مؤسسات الدولة، تنفس السوريون الصعداء، واستبشروا خيراً بأن مرحلة الحرب والعنف والصراع والتشرذم، ستنتهي إلى الأبد، وستحل محلها مرحلة الدولة العادلة، والمصالحة الوطنية والأمن والاستقرار.
فالاتفاقية، لم تكن مجرد ورقة تفاهم سياسية، بل كانت نقطة انعطاف حاسمة في مسار التحول السوري نحو دولة حديثة جامعة، تعيد هيكلة العلاقة بين جميع مكونات الشعب السوري، على أسس من المشاركة والحوار، بما يضمن وحدة الدولة أرضاً وشعباً ومؤسسات.
ولكن المماطلة المتعمدة من قبل “قسد” في تنفيذ بنود هذا الاتفاق، تهدد بنسف ما تحقق حتى الآن من خطوات سياسية واقتصادية وقانونية ومؤسساتية باتجاه بناء سوريا الجديدة، التي ينشدها السوريون بعد 14 سنة من القتل والتدمير والتهجير الذي ارتكبه نظام الأسد بحق الشعب السوري في كل ربوع البلاد.
وخلال السبعة أشهر الماضية تبين أن هناك افتعالاً للتعطيل في مسار تطبيق الاتفاق من جانب “قسد”، تقف خلفه حسابات غير وطنية، تميل إلى الحفاظ على واقع شبه انفصالي، بدلاً من المضي في مسار الاندماج الوطني، وهذا ما لا يقبله أي مواطن سوري.
وعليه، فإن على الدولة السورية، ومعها القوى الوطنية من مختلف الأطياف، أن تعيد صياغة استراتيجيتها تجاه “قسد” وكل الأطراف ذات النزعة الانفصالية، بما يشمل أدوات الضغط القانونية والسياسية، من دون إغلاق باب الحوار، فبناء الدولة الحديثة لا يعني الاستسلام للشروط، بل يعني التمسك بالثوابت الوطنية ضمن عقلية إصلاحية مرنة.
إضافة لذلك، يجب على المجتمع الدولي- إذا كان جاداً في دعم الاستقرار في سوريا والمنطقة- أن يكفّ عن ازدواجية المعايير، ويتعامل مع ملفي “قسد” والسويداء، باعتبارهما قضيتين سوريتين وطنيتين، لا ورقة ضغط جيوسياسية على الحكومة الانتقالية.
فسوريا الجديدة لن تُبنى بالمجاملات السياسية، ولا بتكريس مناطق النفوذ هنا أو هناك، بل عبر التزام وطني جامع، بمشروع الدولة الواحدة الموحدة ذات السيادة على كل ترابها الوطني، والجامعة لكل أبنائها بكل أطيافهم ومشاربهم والحافظة لهم حريتهم وكرامتهم.