يقول أصحاب الفكر: يخلق الله الإنسان كورقة بيضاء نكتب عليها ما نشاء، وعجينة نكوّن منها الشكل الذي نشاء، ما خلا بعض الطباع التي يمكن أيضاً ترويضها من خلال التربية، مع أنه كما يقال أيضاً: إن الطبع يغلب التطبع.
مايعني أننا قادرون في أحيان كثيرة على تغليب التطبيع على الطبع، من خلال التلقين الصحيح للطفل، والتعليم الموجه على زرع بذور الحب وتوريثه للطفل، كي يكون عنده عادة أينما حل وارتحل، وكي يقابل المعروف بمثله، وألا يكون أسيراً لغرائزه وانفعالاته، وما يسمعه من هنا أو هناك من دون الاستناد لقاعدة صحيحة.
اليوم مع كل أسف نرى الأهل هم من يورثون العداوات ويزرعون البغضاء في قلوب أبنائهم، لأقاربهم أولاً، وجيرانهم ثانياً، ولكل من لاينتمي إليهم ثالثاً، وبذلك تزداد الفجوة في المجتمع ويتباعد الناس عن بعضهم، وتبدو العلاقات فيما بينهم باردة، بل ويحكمها عدم القبول والإقصاء، وربما يتحول ذلك في أحيان كثيرة إلى عداوات واقتتال وجريمة، وذلك من كلمة تُرمى بشكل عشوائي، أو فكرة يرسخها الأهل في أذهان أولادهم، ولهذا نرى الأخ يكره أخاه، والجار جاره، وزميل العمل زميله، ولا أحد يعرف السبب.
الغريب في الأمر أن الجميع يتحدث عمن يزرع الكراهية، ويحاول إيصال فكرة أنه مظلوم أسوة بباقي العباد، حتى يجعلنا نبحث عن الظالمين أين هم يقبعون! متجاهلين أن لكل دوره في ذلك، في المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام، من خلال الفعاليات والندوات التي تدعو للحب والتعاضد والتسامح والعيش المشترك.
إن البناء يحتاج لأيام ودهور، بينما التخريب يتم بلحظة، ولهذا ومن أجل وأد الأفكار التي تزرع البغضاء وتوقظ الفتن، لابد من تفعيل الجهات الرقابية للقوانين والأنظمة، وتشديد العقوبات على كل من يتجاوز حدوده بهذا الشأن.