الثورة – إيمان زرزور:
أثارت الحادثة التي شهدتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، إثر اقتحام مجموعة مسلّحة للمبنى والاعتداء على عميد الكلية وأحد الموظفين، صدمة واسعة في الأوساط الأكاديمية والمجتمعية، لما تحمله من انعكاسات خطيرة على بيئة التعليم ومكانة الجامعات، التي يفترض أن تكون فضاءً للحوار والعلم لا ساحةً للصراع والعنف.
الحادثة التي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي، تُمثّل مؤشراً مقلقاً على هيبة المؤسسات التعليمية بعد سنوات من الاضطراب، إذ إن دخول السلاح إلى الحرم الجامعي هو تجاوز خطير لكل الأعراف والقوانين، ويهدّد الركائز الأخلاقية التي يقوم عليها التعليم العالي في سوريا.
ويرى أساتذة جامعيون أن مثل هذه الحوادث تُحدث شرخاً عميقاً في العلاقة بين الطلاب والكوادر التعليمية، وتزرع الخوف في نفوس الأكاديميين، ما قد يؤدي إلى عزوفهم عن أداء دورهم بحرية ومسؤولية.
من الناحية النفسية، خلّف الاقتحام حالة من الهلع بين الطلاب والعاملين داخل الجامعة، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة مشهد عنيف داخل مكان يُفترض أنه الأكثر أماناً واستقراراً، ويحذّر مختصون في علم الاجتماع من أن تكرار مثل هذه السلوكيات يرسّخ ثقافة العنف كوسيلة لحل النزاعات، بدلاً من الحوار والتفاهم، ما ينعكس سلباً على النسيج الجامعي ويقوّض روح الانتماء للمؤسسة التعليمية.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي مروان الحلبي، عبّر عن أسفه العميق لما جرى، مؤكداً أن ما حدث “تصرف لا يمتّ بصلة إلى القيم الأكاديمية والإنسانية”، مشدداً على متابعة التحقيقات ومحاسبة الفاعلين، وأكد الوزير أن حماية أعضاء الهيئة التدريسية وصون كرامتهم واجب وطني وأخلاقي، وأن الدولة ملتزمة بتأمين بيئة تعليمية آمنة ومستقرة.
ويرى مختصون أن الإجراءات الأمنية وحدها لا تكفي، إذ يجب أن تترافق مع إصلاح ثقافي وأخلاقي داخل الجامعات، يعيد الاعتبار للحوكمة الجامعية، ويرسّخ مبادئ الحوار والاحترام المتبادل، كما أن معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع بعض الأفراد إلى سلوك العنف داخل المؤسسات الأكاديمية باتت ضرورة وطنية.
ما حدث في كلية الآداب بجامعة دمشق، جرس إنذار مبكر لضرورة حماية الفضاء الجامعي من تغوّل العنف المجتمعي، فاستمرار مثل هذه الظواهر من شأنه أن يُقوّض العملية التعليمية، ويضعف ثقة الطلاب بالجامعة كبيئة آمنة للإبداع والنقاش.
فالجامعات لا تُبنى بالجدران ولا بالقوانين فقط، بل بمنظومة قيم تحترم العقل، وتقدّس الحوار، وترفض العنف بكل أشكاله، ومن دون إعادة هذه المنظومة إلى مكانها الطبيعي، ستبقى أي إصلاحات شكلية عاجزة عن منع تكرار المأساة.