مستقبل سوريا يشرق من حقول الريف

الثورة – فردوس دياب:

تحديات كثيرة وكبيرة تواجه الدولة السورية الجديدة خلال المرحلة الحالية والقادمة، لاسيما وسط الدمار الهائل الذي خلّفه النظام المخلوع في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

حول أهم وأبرز تلك التحديات التي تواجه الدولة السورية، التقت صحيفة الثورة الاستشاري في المجلس الاجتماعي والاقتصادي بالأمم المتحدة الدكتور عامر النمر الذي أكد أن سوريا الجديدة تقف أمام امتحان وجودي يتجاوز إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي، ليصل إلى قلب الحياة اليومية للسوريين حيث يصبح التحدي الأكبر هو التكيّف مع ندرة المياه، واتساع رقعة التّصحّر وضمان بقاء الريف حيّاً ومنتجاً.

وقال النمر: “إنه لو عدنا عشرين عاماً للوراء لرأينا كيف أن أزمة جفاف 2006 كانت صدمة اجتماعية هزّت بنيان المجتمع السوري، إذ تشير دراسة ريتشارد كلي (Richard Kelley) المنشورة في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية إلى أن نحو مليون ونصف المليون شخص هاجروا من الأرياف السورية إلى المدن بين عامي 2006 و2010 بعد أن فقدوا أراضيهم ومصادر عيشهم، وهو ما تسبب بضغط خانق على البنية التحتية، وتضخم الأحياء العشوائية، وزيادة البطالة والفقر وارتفاع متسارع في معدلات الفساد، حتى احتلت سوريا حينها المرتبة الثانية عالمياً، إلى جانب ارتفاع معدلات الجريمة، ولم يتمكن النظام البائد آنذاك من إدارة الكارثة لا برؤية ولا ببرامج تنموية ولا حتى بتقديم الإحصاءات الدقيقة، فكان العجز مضاعفاً، بيئياً واجتماعياً وسياسيا”ً.

التّصحّر والجفاف

وأضاف النمر، إنه في ظلِّ التحوّلات المناخية المتسارعة، فإن الأرقام لا تبشّر بالطمأنينة، حيث أن هناك تقارير أممية مثل تقرير منظمة الأغذية والزراعة الذي يؤكد أن أكثر من 60% من الأراضي الزراعية السورية مهددة بدرجات متفاوتة بالتّصحّر، وأن نسبة الهطول المطري لم تتجاوز 125 ملم هذا العام، وكذلك البنك الدّولي حذّر في تقاريره من أن سوريا من بين الدول الخمس الأكثر هشاشة أمام تغيّر المناخ في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتوقع أن يؤدي استمرار الجفاف إلى تقليص الناتج الزراعي بأكثر من 40% بحلول عام 2030 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.

وذكر النمر أن ترتيب الأولويات في سوريا الجديدة يجب أن يبدأ من الريف، ذلك أن التنمية الريفية مشروع سياسي ووطني يضمن الاستقرار ويقي البلاد من موجات نزوح جديدة أو احتجاجات قد يتم استغلالها لتأجيج ثورة مضادة، فالريف القويّ والمتماسك هو صمام أمان ضدّ تفكك المجتمع والدولة، ولهذا كله، فإن المشاريع الكبرى من زراعة وتعليم وسياحة يجب أن تتجه إلى الأرياف قبل المدن، لتثبيت السكان، وتحويل الريف إلى فضاء جاذب منتج للأعمال.

الزراعة المستدامة

وبين أن سوريا يمكن لها أن تستلهم من التجارب الدولية الناجحة في هذا الإطار، ففي ألمانيا مثلاً، تمّ تخصيص أكثر من 14 مليار يورو بين 2019 و2025 لبرامج التنمية الريفية، شملت دعم الزراعة المستدامة، وتحسين شبكات النقل المحلية، وتوفير الإنترنت السريع للقرى النائية، أما النمسا، فقد جعلت التكيّف مع الجفاف والتغيّر المناخي جزءاً من استراتيجيتها الوطنية منذ عام 2007، عبر برامج تدريب للفلاحين على استخدام أصناف مقاومة للجفاف، وإقامة مشاريع لجمع مياه الأمطار، وتطوير الطاقة المتجددة في القرى. وتابع: “إن هذه التجارب أظهرت أن الاستثمار في الريف أساس لتحقيق استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي طويل الأمد انطلاقاً من أن السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد، فعندما يشعر أهل الريف أن الحكومة تستثمر في قراهم، وتؤهل المدارس، وتفتتح الكليات والمعاهد الزراعية والبيئية، وتنشئ المراكز الصحية والخدمات العامة، وتشق الطرق المناسبة لربطهم بالمدن، فضلاً عن إقامة مدن متخصصة بالصناعات الزراعية والإنتاج الحيواني لمواجهة موجات الجفاف، فإن شرعية الدولة تترسّخ وينخفض خطر الاستياء الشعبي، أما إذا استمر التهميش، فإن القرى قد تتحول إلى بؤر غضب، وتعود موجات الهجرة إلى المدن، بما يفاقم الضغط الاجتماعي والاقتصادي ويفتح الباب أمام فوضى جديدة”.

ركيزة استراتيجية

وفي هذا السياق، استذكر النمر ما جاء في كتاب الكاتبة مروى داوودي (أصول الصراع السوري.. تغيّر المناخ والأمن الإنساني)، الصادر عن جامعة كامبريدج عام 2020، والذي أشار إلى أن السياسات الحكومية في ظل حكم النظام البائد قد أسهمت في تهميش الفئات الريفية وإفقارها، إذ تمّ توجيه الاستثمارات نحو مراكز المدن على حساب الريف المنتج، وهو ما عمّق مشاعر الاستياء الشعبي وأضعف ثقة الريف بالدولة.

آخر الأخبار
منطقة تجارية حرة.. مباحثات لتعزيز التعاون التجاري بين سوريا وتركيا التنسيق السوري التركي.. ضرورة استراتيجية لمواجهة مشاريع التقسيم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في إطار تنفيذ اتفاق غزة بين دمشق وبرلين.. ملف ترحيل اللاجئين يعود إلى الواجهة الخارجية تفعّل خطتها لتطوير المكاتب القنصلية وتحسين الخدمة للمواطنين الرئيس الشرع: سوريا تدخل مرحلة بناء وفرصة تاريخية للعالم التشاركية بالقرار شعار المرحلة صناعيون: بعض القوانين منفرة للاستثمار حفر وتأهيل 31 بئراً لمياه الشرب في درعا نحو زراعة عضوية مستدامة لخدمة الإنتاج المحلي بحلب "الدرونز" على خط الحلول الاقتصادية للأزمات الزراعية خبير حقوقي: مشروع قانون الخدمة مصدر إرباك للجهاز الإداري تفعيل مجالس أولياء الأمور.. خطوة لتعزيز الشراكة بين الأسرة والمدرسة 66 ألف طن قمح وشعير خطّة "إكثار البذار" هل تحل الدبلوماسية ملف ودائع السوريين في لبنان؟ المسنّون.. تاريخ طويل من العطاء.. كيف نحافظ على توازنهم النفسي؟ مستقبل سوريا يشرق من حقول الريف تعزيز التعاون من أجل تحقيق أثر إنساني مستدام 563 مليون دولار حقوق سحب لسوريا مجمدة بسبب العقوبات مؤسسة سلام التطوعية .. برامج توعوية وخدمات طبية متنوعة الحصبة لاتنتظر.. لا طفل خارج نطاق اللقاح