عباس حيروقة يرسم «ناعورة العاصي» بعيني طفل

الثورة – رنا بدري سلوم:
في عالم الطفولة المليء بالنقاء والدهشة، يقدّم الشاعر عباس حيروقة لوحته الشعرية الجديدة «ناعورة العاصي» ضمن مجموعته «جاء الصبح وهلّ النور»، الصادرة عن دائرة الثقافة في الشارقة.

هي تجربة شعرية تمزج بين براءة الطفولة وعمق الرمز، بين جمال الطبيعة السورية ودفء الذاكرة، لتقدّم نموذجاً مميّزاً من أدب الطفل الوجداني التعليمي.

شعر الطفولة.. براءة ودهشة

القصيدة في شعر الطفولة – أو ما يمكن تسميته بـ«شعر البراءة والدهشة الأولى» – هي لوحة فنية من نور الصبح، وبياض الثلج، وصوت العصفور، ومن دهشة الطفل أمام مظاهر الطبيعة.

لغة بسيطة، لكنها غنيّة بصورها وموسيقاها الداخلية، تجمع بين الواقعية الطفولية والرمزية اللطيفة.

وعند حيروقة نجد هذا التوازن حاضراً بوضوح، فهو يرسم بالكلمات عالماً طفولياً مشرقاً، يفيض بالحب والانتماء، ويغرس في الطفل قيَم الجمال والوطنية والتأمل.

مسؤولية الأدب في زمن الحرب

يقول حيروقة في تصريحه لصحيفة الثورة: «تم إنجاز المجموعة خلال خمس سنوات، وهي موجّهة للفئة العمرية الواعية بين ثمانية وأحد عشر عاماً، وتحوي في مضمونها أهمية اللغة العربية والانتماء إلى الأرض، وشوق الأطفال إلى المدرسة، وأهمية الفن والطبيعة والرسم.

فما قدّمناه في أدب الطفل ليس مجرّد كتابة شعرية، بل مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأدباء والمؤسسات الثقافية والإعلامية تجاه أطفالنا، ولا سيّما في سنوات الحرب التي شوّهت مفاهيم الطفولة الفطرية القائمة على اللعب والرسم والغناء».

ويضيف:«صار لزاماً علينا أن نضاعف جهودنا ونطوّر أدواتنا، لعلّنا نرتق ما تهالك من صور البراءة والعفوية والنقاء».

رمز المكان والذاكرة

في قراءتنا لقصيدة «ناعورة العاصي»، التي تنتمي إلى نمط الشعر الوجداني التأمّلي، نلمس ارتباط الشاعر العميق بالمكان، ولا سيّما مدينة حماة التي تشتهر بـ «نواعير العاصي» رمزاً للحياة والجمال والذاكرة السورية.

العنوان نفسه يختزل دلالة رمزية مكثّفة؛ فالناعورة ليست مجرّد آلة مائية، بل ذاكرة تدور بلا توقّف، فيما العاصي هو النهر الذي يعصي اتجاهه شمالاً، رمزاً للتفرّد والمقاومة.

العنوان إذاً يجمع بين الهوية المكانية والرمزية الإنسانية، ناعورة تتكلّم وتغنّي في القصيدة، تتحوّل الناعورة إلى كائن حيٍّ ناطق، تدور وتغنّي وتبثّ الفرح في أرجاء المدينة.

هي ليست آلة صامتة، بل فنانة تُبدع وتلوّن الحياة كما يفعل الشاعر بالكلمات:«تقول لي: سأرسم الأشجارَ ترخي ظلَّها وقطةً تلهو… ودورْ»، فالناعورة هنا ليست مجرّد رمز، بل روح المكان المتكلّمة، تبعث السرور وتعلّم الناس حبّ الجمال.

إيقاع الدوران وسحر اللغة

اعتمد الشاعر لغةً عذبة قريبة من عالم الطفولة، وصوراً شعرية مستمدّة من الطبيعة والمدينة: الأشجار، النهر، السماء، الشمس، الطيور.

تتّسم الصور بالحركة والدوران، وهو ما ينسجم مع حركة الناعورة ذاتها.

الفعل المتكرّر «تدور» يمنح القصيدة إيقاعاً دائرياً يوحي بالاستمرار والتجدّد:«ناعورةُ العاصي تدورْ لتملأَ الدنيا سرورْ»، كما يخلق التكرار الصوتي «تدور – سرور – نور» موسيقا داخلية متناغمة، تضيف إلى القصيدة بساطةً وجمالًا.

وفي الختام يخاطب الشاعر الأطفال بتحية مفعمة بالأمل:

«صباحكم يا إخوتي

خيرٌ ونورْ

صباحكم سرورْ».

رمز للحياة والقدرة على التجدّد

تتجاوز القصيدة إطارها الطفولي لتغدو رمزاً إنسانياً واسع الدلالة؛ فالناعورة هنا تمثّل الحياة التي تدور رغم الصعاب، والشعب السوري الذي يعيد إنتاج الفرح رغم الألم، كما تمثّل الشاعر نفسه الذي يدور في فلك الإبداع ليمنح الآخرين النور والسرور.

«ناعورة العاصي» ليست قصيدة عن المكان فحسب، بل هي نشيد للحياة واحتفاء بالطفولة التي لا تفقد دهشتها.

فيها شاعر يرى في النور والماء والدوران عناصرَ للحياة والأمل، ويحوّل الذاكرة السورية إلى لحنٍ دائمٍ من الفرح والإصرار.

آخر الأخبار
إعلام بريطاني: خطة ترامب هشة وكل شيء اختفى في غزة جائزة نوبل للسلام.. من السلام إلى الهيمنة السياسية هل يستطيع ترامب إحياء نظام مراقبة الأسلحة الاستراتيجية؟ منطقة تجارية حرة.. مباحثات لتعزيز التعاون التجاري بين سوريا وتركيا التنسيق السوري التركي.. ضرورة استراتيجية لمواجهة مشاريع التقسيم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في إطار تنفيذ اتفاق غزة بين دمشق وبرلين.. ملف ترحيل اللاجئين يعود إلى الواجهة الخارجية تفعّل خطتها لتطوير المكاتب القنصلية وتحسين الخدمة للمواطنين الرئيس الشرع: سوريا تدخل مرحلة بناء وفرصة تاريخية للعالم التشاركية بالقرار شعار المرحلة صناعيون: بعض القوانين منفرة للاستثمار حفر وتأهيل 31 بئراً لمياه الشرب في درعا نحو زراعة عضوية مستدامة لخدمة الإنتاج المحلي بحلب "الدرونز" على خط الحلول الاقتصادية للأزمات الزراعية خبير حقوقي: مشروع قانون الخدمة مصدر إرباك للجهاز الإداري تفعيل مجالس أولياء الأمور.. خطوة لتعزيز الشراكة بين الأسرة والمدرسة 66 ألف طن قمح وشعير خطّة "إكثار البذار" هل تحل الدبلوماسية ملف ودائع السوريين في لبنان؟ المسنّون.. تاريخ طويل من العطاء.. كيف نحافظ على توازنهم النفسي؟ مستقبل سوريا يشرق من حقول الريف تعزيز التعاون من أجل تحقيق أثر إنساني مستدام