563 مليون دولار حقوق سحب لسوريا مجمدة بسبب العقوبات

الثورة – جاك وهبه:

مع تزايد الحديث الدولي عن إعادة إعمار سوريا، ووسط تحركات دبلوماسية واقتصادية لفتح قنوات جديدة مع المؤسسات المالية العالمية، تبرز تساؤلات حول قدرة البلاد على الاستفادة من الفرص المتاحة رغم الحصار المالي المستمر.

وفي هذا السياق، يُثار ملف حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي، وما يرتبط به من تعقيدات قانونية وسياسية ناجمة عن العقوبات الغربية، فما حجم هذه الحقوق؟ ولماذا لا تستطيع سوريا الوصول إليها؟ وما الخيارات المتاحة أمامها؟.

الخبير في الشؤون الاقتصادية، فاخر قربي، بين أن الحكومة السورية الجديدة قد بدأت في اتخاذ خطوات عملية لإعادة دمج البلاد ضمن النظام المالي العالمي، في إطار سعيها لإنعاش الاقتصاد الوطني وتهيئة الأرضية اللازمة لانطلاق ملف إعادة الإعمار، بعد سنوات طويلة من الحرب والعقوبات الاقتصادية.

وأوضح قربي، في حديث خاص لصحيفة “الثورة”، أن الحكومة السورية تبذل جهوداً حثيثة لإجراء مناقشات مع مؤسسات مالية دولية كبرى، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بهدف الحصول على منح مالية ومساعدات فنية، والتي ستُخصص لدعم البنية التحتية والخدمات الأساسية في البلاد، مع التركيز على قطاعات حيوية مثل الكهرباء والصحة والتعليم.

حقوق سحب خاصة

وبين قربي أن إدراج الملف السوري ضمن أجندة اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين يُعد خطوة هامة تعكس رغبة المجتمع الدولي في النظر جدياً إلى احتياجات سوريا التنموية والاقتصادية، مشيراً إلى أن سوريا تملك، بوصفها دولة عضواً في صندوق النقد الدولي، حقوق سحب خاصة تصل إلى نحو 563 مليون دولار، لكن الاستفادة من هذه الحقوق تواجه عدة عراقيل قانونية وسياسية، أهمها العقوبات المفروضة على البنك المركزي السوري من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، والتي تمنع أي تعامل مالي مباشر مع الحكومة السورية.

وبيّن أن استخدام حقوق السحب الخاصة يتطلب موافقة الدول الأعضاء التي تملك 85 بالمئة من أصوات الصندوق، مثل الولايات المتحدة وكندا والصين ودول الاتحاد الأوروبي، وهذه الدول تضع شروطاً صارمة فيما يتعلق بإزالة العقوبات كخطوة أولى قبل السماح بأي عملية مالية مباشرة مع سوريا، وأي محاولة لتحويل الأموال من دون الحصول على استثناء رسمي من العقوبات، سواء من مجلس الأمن أو الإدارة الأميركية، سيضع الدول أو الجهات المتعاملة تحت طائلة العقوبات الدولية.

وأضاف قربي أن بيع حقوق السحب الخاصة، في حال تحقق، قد يحرم سوريا من إمكانية الاستفادة من برامج الاقتراض الأخرى أو حزم الدعم الفني التي يقدمها الصندوق، والتي ترتبط عادة ببرامج إصلاحية شاملة يشرف عليها الصندوق بشكل مباشر. وبالتالي، فإن هذه الخطوة قد تكون مكلفة على المدى الطويل، لأنها ستغلق أبواباً أخرى أمام الاقتصاد السوري.

عقوبات أممية وأميركية

وفيما يتعلق بالتعاون مع البنك الدولي في مجال الإنشاء والتعمير، أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية أن هذا التعاون غير ممكن حالياً نتيجة استمرار العقوبات الأممية والأميركية، والتي لا تسمح للمستثمرين أو الدول بالعمل داخل سوريا من دون استثناءات واضحة، مشيراً إلى أن حاكم مصرف سوريا المركزي أعلن مؤخراً التزام الدولة بالمعايير المالية العالمية، ورغبتها في العودة إلى النظام المالي الدولي، إلا أن العقوبات تبقى العقبة الأبرز في طريق هذا الطموح.

وتابع قربي موضحاً أن عدم استقرار مؤسسات الدولة بالشكل الكافي وعدم مواءمتها للمعايير المالية الدولية يُعد من التحديات الأخرى التي تعرقل التعامل مع مؤسسات التمويل العالمية، لكن ذلك لا يلغي وجود فرصة أمام سوريا للاستفادة من بعض المنح، خصوصاً بعد إعلان المملكة العربية السعودية عن تسديد مجمل الديون المستحقة على سوريا، ما قد يفتح نافذة لتلقي بعض الدعم، وخاصة في ملف إعادة تأهيل شبكة الكهرباء.

وأوضح أن هناك دراسة أميركية توصلت إلى إمكانية حل جزئي لأزمة الكهرباء في سوريا، من خلال إصلاح خطوط الضغط العالي التي تربط الشبكة السورية بالأردن، وهي خطة تقدر تكلفتها بحوالي 300 مليون دولار، وستمكّن من توفير الكهرباء بشكل منتظم على مدار الساعة إذا ما تم تنفيذها بنجاح، وهو ما سيدعم بشكل مباشر معيشة المواطنين ويُنشّط الاقتصاد المحلي.

وفي هذا الإطار، يتوقع قربي أن يقدم صندوق النقد الدولي حزمة مالية قصيرة الأجل لدعم الاستقرار الاقتصادي في سوريا، قد تتراوح قيمتها بين مليار وملياري دولار، وهو ما يمثل حوالي نصف الموازنة العامة للدولة، وبالتالي سيوفر دعماً مهماً للحكومة في هذه المرحلة الدقيقة، وأكد أن دولاً مثل السعودية وقطر وبعض دول الاتحاد الأوروبي قد تكون من الممولين الأساسيين لهذه الحزمة، في حال تم التوصل إلى توافق سياسي يسمح ببدء تنفيذها.

وأشار إلى أن صندوق النقد عادة ما يشترط على الدول المستفيدة من حزم الدعم المالي التزاماً واضحاً بالإصلاحات، ويقوم بمتابعة دقيقة لكل مدفوعات البرامج لضمان صرف الأموال وفق الخطط المتفق عليها، مما يستلزم من المؤسسات السورية المعنية استعداداً فنياً وإدارياً كبيراً.

مشاريع محدودة

وفيما يخص البنك الدولي، كشف قربي أن هناك احتمالاً لأن يتم تنفيذ بعض المشاريع المحدودة في سوريا في إطار ملف إعادة الإعمار، خصوصاً في قطاعي الكهرباء والصحة، عبر استغلال “الترخيص 24” الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، والذي يسمح بالتعامل مع الحكومة السورية في قطاعات إنسانية وخدمية معينة.

وبيّن أن تحسين الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء، يحقق نوعاً من الاستقرار الداخلي ويحدّ من مخاطر العودة إلى الفوضى أو أعمال العنف، وهو ما تسعى لتجنبه القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الشأن السوري.

وفي هذا السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي أن مشاركة وزيري المالية والخارجية السوريين، إلى جانب حاكم مصرف سوريا المركزي، في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاماً، مؤشر واضح على رغبة الحكومة السورية الجديدة في استعادة علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع المؤسسات الدولية، ويمثل فرصة ثمينة لفتح حوارات مباشرة مع صانعي القرار الاقتصادي العالمي.

رغبة غربية

كما أكد أن الاستثناءات الأميركية التي مُنحت مؤخراً لبرامج الأمم المتحدة الإنمائية في سوريا، توحي بوجود رغبة غربية في دعم الاقتصاد السوري ضمن حدود معينة، مشيراً إلى أن هذه الاستثناءات ساهمت في تحريك عجلة الاقتصاد ولو بشكل محدود، من خلال تحسين واقع الكهرباء وزيادة عدد ساعات توفرها، إضافة إلى تمويل بعض المشاريع الإنسانية والتنموية.

وشدد الخبير الاقتصادي فاخر قربي على أن تحقيق الأهداف الاقتصادية السورية يتطلب مواصلة التنسيق الدبلوماسي والتقني مع الجهات الدولية، والعمل على تهيئة المناخ الإداري والمالي المحلي بما يتماشى مع المتطلبات العالمية، مشيراً إلى أن الفرصة لا تزال قائمة، لكن نجاحها مرهون بالإرادة السياسية الدولية ومرونة التعامل مع الشروط المفروضة.

آخر الأخبار
الخارجية تفعّل خطتها لتطوير المكاتب القنصلية وتحسين الخدمة للمواطنين الرئيس الشرع: سوريا تدخل مرحلة بناء وفرصة تاريخية للعالم التشاركية بالقرار شعار المرحلة صناعيون: بعض القوانين منفرة للاستثمار حفر وتأهيل 31 بئراً لمياه الشرب في درعا نحو زراعة عضوية مستدامة لخدمة الإنتاج المحلي بحلب "الدرونز" على خط الحلول الاقتصادية للأزمات الزراعية خبير حقوقي: مشروع قانون الخدمة مصدر إرباك للجهاز الإداري تفعيل مجالس أولياء الأمور.. خطوة لتعزيز الشراكة بين الأسرة والمدرسة 66 ألف طن قمح وشعير خطّة "إكثار البذار" هل تحل الدبلوماسية ملف ودائع السوريين في لبنان؟ المسنّون.. تاريخ طويل من العطاء.. كيف نحافظ على توازنهم النفسي؟ مستقبل سوريا يشرق من حقول الريف تعزيز التعاون من أجل تحقيق أثر إنساني مستدام 563 مليون دولار حقوق سحب لسوريا مجمدة بسبب العقوبات مؤسسة سلام التطوعية .. برامج توعوية وخدمات طبية متنوعة الحصبة لاتنتظر.. لا طفل خارج نطاق اللقاح نحو مجتمع رقمي آمن ..التشهير والتهديد جرائم يعاقب عليها القانون جامعة دمشق في عين العاصفة.. دروسٌ قاسيةٌ من حادثة كليّة الآداب توريث الحب نصيبنا من الخبز والشِّعر