الثورة -غصون سليمان:
تأثير الإعلام على التنشئة الاجتماعية لم يعد خافياً على أحد، نظراً لما يملكه من أدوات ووسائل قوة مختلفة ومؤثرة، إلى جانب الإمكانيات الفنية والتقنية والنفسية، بما تؤمنه من برامج متنوعة جذابة تمنحه القدرة على التسلل إلى أذهان المتلقين بشرائحهم الاجتماعية المختلفة، ما يترك أثراً سريعاً في المعلومات والقيم والسلوكات.
وفيما إذا كان ذلك يتعارض مع ما يتعلمه الفرد عن طريق الأسرة أو المؤسسات التربوية التعليمية الأخرى، تشير الدكتورة أمل دكاك من قسم علم الاجتماع جامعة دمشق لـ “الثورة”، إلى أن التنشئة الاجتماعية هي العملية التي يكتسب فيها الفرد المواقف والقيم والسلوك والعادات والمهارات التي تنتقل إليه من خلال تفاعله مع البيئة المحيطة، بمعنى يصبح الأطفال بموجب ذلك راشدين يساهمون في نشاط المجتمع الذي ينتمون إليه، ويمثلون مطالبه ويعملون على تطوره وإحداث تغيير فيما هو سائد.
فالتنشئة الاجتماعية- حسب رأي دكاك- تعلم القيم بواسطة أدوات التنشئة، ومنها الأسرة والمدرسة والأصدقاء والثقافة ووسائل الإعلام المختلفة من صحافة، وإذاعة، وتلفاز، وأنترنيت، حيث تؤدي وسائل الاتصال دوراً لا يقل أهمية عن دور الأسرة أو المدرسة بعملية التنشئة الاجتماعية.
ونوهت بأنه مع التقدم التكنولوجي، في عصر العلم والمعرفة وعصر الاتصال أو المعلوماتية، تركز الدول على هذه الوسائل كأساسيات للتنشئة الاجتماعية والثقافية، مبينة أن هذه الوسائل تستطيع من خلال ما تقدمه من مضامين هادفة، وأساليب مناسبة أن تؤثر في وعي الأطفال، كما تؤثر مؤسسات التنشئة الأخرى “الأسرة والمدرسة والأصدقاء”- إن لم تتفوق عليها وتؤدي دوراً إيجابياً أو سلبياً في تنشئتهم- حسب فعالية تلك الوسائل وانتشارها الواسع والوقت الذي يكرسه الأطفال لها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يبدأ الطفل بالتعرض للتلفاز في سن مبكرة، ويستمر في ذلك مدى حياته بغض النظر عن الظروف الحالية التي نعيشها في مجتمعنا نتيجة تداعيات الحرب العدوانية وما خلفته من مآس على جميع المستويات وبالتالي قلة مشاهدة التلفاز ربما بحكم تقنين الكهرباء.
فلهذه الوسائل تأثيران- وفق ما ذكرته الدكتورة دكاك- الأول يتعلق بالأفراد الراشدين ويطلق عليه اسم التأثير “المتعاصر” أي يحدث للأفراد وهم في مرحلة البلوغ والنضج.
فيما التأثير الثاني نمائي وهو الذي يسهم في دراسة أثر وسائل الاتصال في سلوك الأطفال خلال مراحل نموهم منذ الطفولة حتى البلوغ، لذلك ما تؤديه وسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية دور مهم، وسلاح ذو حدين، فقد تساعد الطفل على تكوين مقومات شخصية تكوينًا متكاملاً، اجتماعيًا ونفسيًا وخلقيًا ووطنيًا، إذا أحسن اختيار ما يبث عبر مضامينها للطفل.
وبالمقابل تشكل خطراً على الثقافة الوطنية بما تتركه من آثار سلبية في شخصية الطفل، إذا كان ما يقدم من مضامين يحمل قيمًا سلبية تتعارض مع ثقافة المجتمع.
فوسائل الاتصال تستطيع في المجال الاجتماعي أن تؤدي دوراً مهماً في تنشئة الأطفال، من ناحية تعميق القيم الصالحة واكتساب السلوك الجيد، إذا أحسن استثمارها، وكذلك في المجال العلمي يتعرف الطفل على منجزات التقدم العلمي ويستفيد من المعلومات العلمية في المجال الإنساني بحيث يتعرف على العالم ويتفاعل مع الأحداث التي تنقله إلى أماكن جديدة.