حلول التدبير المنزلي انتهت.. وربات البيوت جرّبن كل الإمكانيات

الثورة – لينا إسماعيل:
لو أن الباحث والمؤرخ السوري خير الدين الأسدي يعيش بيننا اليوم لألف كتاباً فريداً من نوعه يضاف إلى موسوعته الشهيرة (موسوعة حلب للمقارنة)، وذلك في توثيق ابتكارات كثير من الأسر، بحثاً عن بدائل الاقتصاد المنزلي، التي يستحقون عليها براءة اختراع غير مسبوقة في ظل لهيب الأسعار المتواتر صعوداً بلا هوادة.
فلا يمكن لعقل بشري أن يتخيل ما وصلت إليه التدبيرات المنزلية ضمن شريحة من المجتمع في تمرير أيام هي بالمحصلة مجموع سنين العمر الماضية، وجل التركيز فيها لم يعد يتجاوز الاجتهاد في انقضائها بأقل التكاليف المادية، وهو ما يعتبر إنجازاً يستحق وسام استمرارية العيش بسد الرمق.
تفاصيل مدهشة نلملم وقائعها من خلال فضفضات ربات البيوت، التي غدا محور جلساتهن البحث عن كيفية تمرير وجبات الطعام بأقل تكاليف ممكنة وبالطبع بعيداً عن القيمة الغذائية.
السيدة أم عبد الله أوضحت أن أصعب مهمة تواجهها كل صباح ماذا ستحضر لأسرتها من طعام! ولم يعد هذا الهم الثقيل مقتصراً على وجبة الغداء فحسب، بل تعداه للفطور الذي أصبح عبئاً مرهقاً من جراء غلاء المواد الغذائية عموماً وحتى التي كنا نطلق عليها اسم (حواضر) من جبنة ولبنة وزيت وزعتر وزيتون وما إلى ذلك من مواد لم يكن ليخلو منها أو من بعضها بيت في المجتمع السوري، سواء كان فقيراً أم غنياً، لكن توفر إحداها فقط غدا اليوم إنجازاً حقيقياً..
وتضيف: إن ثمن كيلو اللبنة- كريم- مثلاً بلغ اليوم 25 ألف ليرة سورية، ولدي أسرة مكونة من 5 أشخاص ولهذا لم تعد اللبنة كمثال للفطور، وإنما لجأت إلى شراء الكيلو منها، والتقنين فيه فطوراً وغداء، من خلال مدّ ملعقة منها على رغيف الخبز وعمل سندويشات فطور وغداء متأخر يغني عن العشاء ومع ذلك كيلو اللبنة لا يكفي أكثر من يوم واحد.
السيدة هدى أوضحت أن لحم الغنم أو العجل والدهنة هجرت مطبخها منذ 3 سنوات نتيجة الغلاء الفاحش، وكان البديل لحم الدجاج، اليوم حتى الفروج لم نعد قادرين على شرائه أيضاً، فالكيلو من الشرحات أو الدبوس أو حتى الكاستا لا يقل عن 45 ألف ليرة، ولهذا نلجأ إلى استخدام بودرة ماجي في الطبخ لإضفاء بعض النكهة على الرغم مما نعرفه عن أضرارها الجسيمة على الصحة.
وتحدثت السيدة بتول عن حجم المواد الغذائية التي تم الاستغناء عنها كالحليب والسمن والبيض والجبن والمربيات والمكدوس غدت من الكماليات.
فيما تحدثت السيدة أم محمد عن القهوة عشقها الأزلي قائلة: هل تعلمين أنني أصبحت أجمع (طحل) القهوة من الفناجين التي نشربها، وأعيد غليها على النار مع الماء واحتساءها من جديد..! كيف لا وقد بلغ سعر كيلو البن متدني الجودة 100 ألف ليرة سورية ومن دون هيل، وكذلك بالنسبة للشاي الذي نضيف له الماء ونغليه عدة مرات حتى يفقد لونه تماماً.
فيما أضافت أم أنس أن زيت الزيتون لم يدخل بيتها منذ عامين، وهي تعتمد على زيت دوار الشمس في جميع وجبات المنزل على الرغم من ارتفاع سعره ولكنه البديل الوحيد، وعندما ضاق أولادها ذرعاً بطعمه الأشبه بالماء، خاصة النوعية المطروحة حالياً في السوق اضطرت لشراء كيلو زيت بـ68 ألف ليرة، بزعم صاحب الميني ماركت أنه زيت زيتون، وقامت بخلطه بزيت دوار الشمس ليكون دوره إضفاء اللون الأخضر الذي يروي شوق أولادها لزيت الزيتون.. وبالفعل (مرقت عليهم).
وأضافت أم زيد: قبل فترة وجيزة ولأننا كنا نستلم سلة غذائية من الهلال الأحمر، كنا نعتمد على المجدرة وشوربة العدس والكشك والمعكرونة باللبن وبدبس البندورة، لكننا اليوم وبعد توقف المعونات لم نعد قادرين حتى على طبخ هذه الأطعمة، لا أخفيك سراً أنني أحياناً أخلط الكشك بالطحين لأضاعف الكمية فالكشك البودرة اليوم بلغ سعر الكيلو منه 60 ألف ليرة، وأضيف الماء إلى اللبن عند وضعه على المعكرونة مع الثوم.
تدابير تقشفية تسعى من خلالها ربات البيوت لتوفير وجبات طعام لحشو المعدة فقط، فالمسبحة مثلاً التي كانت تعتبر من المقبلات غدت اليوم وجبة رئيسية بعد أن تعدى سعرها 30 ألف ليرة، وكذلك الفول بالزيت والفلافل التي بلغ سعر القرص المتقزم منها 500 ليرة، وبحسبة بسيطة فإن أقل وجبة لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص وسطياً تكلفتها لا تقل عن 25 ألف ليرة.
السيدة آمال أوضحت أن كيلو الزعتر بلغ سعره بحدود 50 ألفاً، وهو لم يعد يكفي أسرتي أكثر من أسبوعين كوني اعتمد عليه في سندويشات المدرسة وفي الفطور والعشاء وأحياناً كثيرة الغداء مع إبريق الشاي.
أما حلويات الشتاء كالعوامة والمشبك والكنافة المفروكة وحلويات المواسم كشهر رمضان القادم إلينا قريباً والأعياد، فقد غدت ضرباً من الرفاهية نشعر بالحنين إليها في ليالي شتائنا القارس، وقد تعذر على ربة البيت تحضيرها في المنزل نظراً لارتفاع سعر السكر الذي تجاوز 15 ألفاً للكيلو وكذلك الطحين والسميد.. فما بالكم بالعجوة والقشطة! والبديل الذي غالباً ما يشبعن به اشتهاء صغارهم للحلويات قطعة بسكويت من النوع الرديء، ومع ذلك لا يقل سعر القطعة منها 5000 ليرة.
هذه ومضات من يوميات شريحة من المجتمع، غدت كثير من السلع بعيدة المنال بالنسبة لها، على الرغم من كل الجهود الجبارة لاستمرارية كفاف العيش إيذاناً برفع الراية البيضاء، وذلك بعيداً عن أجواء المطاعم وموائدها الشهية، وعروضها التي تشعل وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تلاقي رواجاً في نسب المشاهدات، لما تحققه من إشباع الحرمان من خلال متعة الفرجة، والأهم بعيداً عن عوالم رفاهية الارتياد لتلك الأماكن المبهجة التي لها أهلها وروادها أيضاً.

آخر الأخبار
أردوغان: وحدة سوريا أولوية لتركيا.. ورفع العقوبات يفتح أبواب التنمية والتعاون مفتي لبنان في دمشق.. انفتاح يؤسس لعلاقة جديدة بين بيروت ودمشق بريطانيا تُطلق مرحلة جديدة في العلاقات مع دمشق وتعلن عن دعم إنساني إضافي معلمو إدلب يحتجون و" التربية"  تطمئن وتؤكد استمرار صرف رواتبهم بالدولار دخل ونفقات الأسرة بمسح وطني شامل  حركة نشطة يشهدها مركز حدود نصيب زراعة الموز في طرطوس بين التحديات ومنافسة المستورد... فهل تستمر؟ النحاس لـ"الثورة": الهوية البصرية تعكس تطلعات السوريين برسم وطن الحرية  الجفاف والاحتلال الإسرائيلي يهددان الزراعة في جنوب سوريا أطفال مشردون ومدمنون وحوامل.. ظواهر صادمة في الشارع تهدّد أطفال سوريا صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار سلل غذائية للأسر العائدة والأكثر حاجة في حلب  سوريا تفتح أبوابها للاستثمار.. انطلاقة اقتصادية جديدة بدفع عربي ودولي  قوات الأمن والدفاع المدني بوجٍه نيران الغابات في قسطل معاف  قضية دولية تلاحق المخلوع بشار الأسد.. النيابة الفرنسية تطالب بتثبيت مذكرة توقيفه