كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
ثورة آذار المجيدة، التي نحيي ذكراها الحادية والستين اليوم، شكلت منعطفاً هاماً في تاريخ سورية الحديث، إذ كانت ثورة العمال والفلاحين والمثقفين ضد قوى الاستبداد والتخلف ممثلة بالإقطاع والبرجوازية، وتلك القوى سبق وأن سخَّرت مقدرات الوطن لخدمة مصالحها الخاصة، وعملت على نشر الجهل والتخلف لإبقاء سورية خارج دورها الأساسي كرقم صعب في معادلة المنطقة، وحامل للواء مواجهة كل المشاريع الاستعمارية التقسيمية التي تستهدفها، فجسدت هذه الثورة أنموذجاً يحتذى للثورات الحقيقية التي تلبي طموحات الشعب.
أهمية هذه الثورة المجيدة أنها وضعت في أولوياتها تحرير كافة الأراضي العربية المحتلة، والعمل على إعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين، ومنع أي محاولات تقسيمية تستهدف وحدة المنطقة ونسيجها الاجتماعي، ولذلك كانت الدول المتربصة تعمل دون كلل أوملل للنيل من سورية باعتبارها صمام الأمان للأمة العربية، وهي اليوم تدفع ثمن دفاعها عن العروبة من خلال الإرهاب المصدر إليها من كل أصقاع الأرض، ومن خلال الهجمة الأميركية والغربية الشرسة، والحصار الاقتصادي الخانق الذي تشنه قوى العدوان بقيادة الولايات المتحدة.
فالثورة المجيدة أعطت سورية موقعاً مهماً على مختلف الصعد، وأرست دعائم الدولة الحديثة المرتكزة على البناء المؤسساتي والديمقراطية الشعبية، وجعلت كذلك من سورية محطّ أنظار العرب جميعاً في الرهان عليها لاستعادة حقوقهم والحفاظ على هويتهم، حتى باتت الآن القلعة المنيعة الوحيدة في مواجهة الأخطار والتحديات، ومن هنا كان المطلوب أميركياً وصهيونياً وأوروبياً، الإجهاز على كل الإنجازات التي حققها الشعب السوري طوال العقود الماضية، كي لا تبقى سورية الرقم الصعب في حسابات الغرب التقسيمية، وبالتالي تمرير المشروع الصهيوني لتحويل منطقتنا إلى مستعمرات متناثرة يتقاسم الأعداء خيراتها وثرواتها.
كما عملت ثورة الثامن من آذار وبشكل خاص بعد قيام الحركة التصحيحية على إعداد البنية التحتية الأساسية لبناء أجيال شابة واعية ومؤمنة بقضايا وطنها وقادرة على مواجهة الجهل ومقارعة كل ما يحاك له من مؤامرات من خلال نشر التعليم وتوسيع قاعدته لتشمل كل السوريين عبر بناء المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز العلمية والبحثية لتكون سورية إحدى الدول الرائدة في المجال التعليمي والثقافي والفكري.
اليوم، ورغم شراسة الهجمة الغربية، وما يرافقها من احتلال أميركي وتركي لأجزاء من الأرض، ونهب أميركي متواصل لثروات الشعب السوري، فإن سورية ماضية في حربها المفتوحة على الإرهاب حتى دحر الغزاة المحتلين، واستعادة كل جزء من أراضيها، وكما واجهت العديد من الضغوط والتحديات والمؤامرات بكل حكمة وشجاعة في السابق، فهي اليوم أكثر عزماً وتصميماً على مواجهة التحديات الراهنة، والتغلب عليها، واستكمال مسيرتها النضالية بما يلبي طموحات شعبها الأبي المشهود له بحب الانتماء لوطنه، والتمسك بقيمه الأصيلة وثوابته الوطنية.

السابق