الثورة- رنا بدري سلوم :
لم تبقِ الأديبة نجاح إبراهيم ابنة الرّقة تاء التأنيث ساكنة، خاضعة، تقليديّة في قصصها ورواياتها، بل متحرّكة فاعلة، محرّضة وملهمة وباعثة على العطاء. “بدءاً من بهاء خانم” في قصّة كانت فيها مناضلة، و”غالية” في رواية عطش الإسفيدار عاشقة ومثقّفة، وإيمار في الرّواية الثانية باحثة عن الحقيقة، وبهار في “الهوتة” باحثة عن الخلاص من براثن داعش.
تاء التأنيث لم تغب في سردها ولم يختف فعلها قط، حتى في مجموعتها القصصيّة التي صدرت حديثاً “تأبط دمّ الحكاية” تقف المرأة الفلسطينية في وجه المحتّل، وتدفع يديها في الطوفان، فتقدّم أولادها شهداء وتزغرد عند دفنهم. إنها تاء التأنيث التي تجيد القيادة، وتتقن فنَّ الوجود.
حاورتها صحيفة”الثورة” في أيام عيد المرأة، لنظهر النموذج الأنثوي الفاعل الذي استطاع أن يخرج من التقليد إلى فضاءات الفكر النيّر ليس في الأدب وحسب بل في مجالات الحياة العلميّة والتربويّة والمجتمعيّة المختلفة.
– نجاح إبراهيم من الأصوات النسائيّة المميزة في التجربة الأدبية السورية؟ بماذا تصفين تجربتك الأنثى في عالم الأدب؟
– ركود الماء في البحيرة لا يحرّكه سوى حجر يزيلُ عنه بلادته وصمته، فيحدثُ الدوائر المثيرة التي تشدُّ الناظر، وتلفتُ الرؤوس نحوها، هكذا كانت تجربتي في واقع ساكن، كالح ، تقليدي. شعرتُ بأبخرة تتصاعد في داخلي، تجرّني نحو الورق الممتد أمامي، يغوي الحبر ويدفعني لأن أكتب لأرسم شخصيتي التي انتشلتها من الاعتياد. بدأت بالخاطرة وأنا صغيرة، ثم قصيدة النثر، ثم القصة حيث أولى مجموعاتي عام 1992 بعنوان” المجد في الكيس الأسود” التي لاقت صدى ونقداً في المنطقة الشرقية، حيث لم يكن هناك من نساء مددن رؤوسهن خارج السور،
فرحت بهذا الاحتفاء بعملي الأول ثم كرّت السبحة فصدرت مجموعتي الثانية، فالثالثة، ثم الرابعة وما يليها.. ثم اتسعت رؤاي ومداركي والتصقتُ بواقعي الذي أسلست له الخيال، فكتبتُ الرواية التي تعدُّ أقرب الأجناس إلى واقع الحياة وأكثرها اتساعاً وشمولية لرؤية هذا الواقع، فكانت روايتي”عطش الإسفيدار التي نالت الجائزة الأولى في مسابقة المزرعة، ورحت أخوض في هذا الجنون الجميل، عالم الأدب، والخوض فيه لاريب عمل مجنون ومثير ورحلة في مركب صغير بعرض البحر كما قال”هرمان هسه”.
أحببتُ المضي في هذا الأزرق حتى وصلت إلى نيل جوائز عالمية، ولم أتراجع يوماً حتى صدر لي ” 28″ مؤلفاً حتى الآن.
كان لابدَّ من هذا الاقتراف النبيل كي أرسم شخصيتي وأبرز بصمتي وأعلن عن آلامي وأحلامي التي هي جزء من آلام وأحلام مجتمعي.
– هل استطاعت المرأة برأيك أن تتساوى مع الرّجل في مملكة الأدب؟
في الإبداع ليس هناك لهاث وسباق مع الرجل، هناك إبداعٌ فحسب، النص المائز هو الذي يشير إلى صاحبه سواء أكان رجلاً أم امرأة، وأكبر مثال على ذلك الجوائز التي يفوز كلاهما بعد إغفال الأسماء، إنها نصرة النّص الأكيد.
– كيف تمكنت المرأة الأديبة الهاوية كانت أم المخضرمة في عالم الأدب أن تلحق بركب الذكاء الاصطناعي دون أن تشوه حقائق الأنثى فكراً وجوهراً لا أن تهتم فقط بالصورة والشكل؟
لست ممن استخدم الذكاء الاصطناعي في حياتي الأدبية أو الشخصي، مازلت على “الدقة القديمة” أكتب أفكاري على الورق، أراجعها، ثم أرقنها على الحاسبة، أجسّد شخصيات رواياتي وقصصي بعد أن أعيش معها حاملة ما يؤرقني ويؤرق الآخرين .لا أحب أن تشاركني نصي أية تقنية، لأنني أنا من أخلقه، إذ فيه رائحة حبري ولون ألمي، وطعم رؤاي، وكم يسعدني حين أقدّم صوتي وشخصيتي الأدبية دون الاستعانة بالتقنيات الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مازال الخيال فاعلاً والأفكار في كلِّ مكان وظرف.
– المرأة في عيون الأدب، والأدب في عيون المرأة، ما السمات المشتركة بين هاتين المعادلتين برأيك؟
المرأة هي السمة المشتركة، لا يمكن لأي أديب أو شاعر إلاَّ أن يكتب عنها، ويستمد منها، فهي الواهبة، والخصّبة، والنعمة التي وهبها الله له، ففي معظم الأعمال الأدبيّة عالميّاً وعربياًّ نجدها، بحضورها الواثق واللازم.
والأدب في عيون المرأة إن كانت مثقفة ومدركة ومسؤولة، تجند نفسها لأن تكون فاعلة، ومدركة لحقوقها ومالكة لقرارها، وقنّاصة للجمال، تسلكُ أسلوباً راقياً ومشرّفاً، وتبرز صورتها كما يجبُ أن تكون.
سيرتها الأدبية
تكتب الأديبة نجاح إبراهيم القصّة والرواية والشعر والنقد الأدبي والسينمائي وأدب الطفل، وهي عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية، وعضو مجلس اتحاد الكتاب العرب بدمشق.
نالت شهادة منجز من مركز الحرف للدراسات العربية من جامعة سترانفورد الأميركية، وفازت بثلاث عشرة جائزة على مستوى سورية والوطن العربي والعالم، منها جائزة تشوقورأووا العالمية عن منجزها الإبداعي عام 2016، وجائزة جمعية أسفار العالمية للثقافة والفنون عام 2021، وجائزة هيباتيا في مصر في القصة القصيرة عام 2022 ،وجائزة توليولا الإيطالية العالمية عن روايتها المطبوعة إيمار/ التميمة الضائعة، وجائزة حنا مينه للرواية عن روايتها الهوتة.
صدرت كتب عن مؤلفاتها، وترجمت أعمالها إلى اللغات، الفرنسيّة والإنكليزيّة والكرديّة والأرمنيّة والأمازيغيّة.
شاركت إبراهيم بالعديد من المهرجانات الأدبية والسينمائية، ولها 28 مؤلفاً في مختلف الأجناس الأدبية.
تنهي الأديبة نجاح إبراهيم بتحيّة وأمنية وجهتها إلى كل امرأة كي تعي دورها تماماً، وتدرك أن وطنها في حالة حرب ومحط أنظار الأعداء، لذا عليها أن تقدّم كل ما بوسعها في ميادين الحياة المختلفة بكل حبّ.