الثورة- ديب علي حسن:
تقول الحكمة أن الإنسان يحتاج إلى ثلاث سنوات أقل أو أكثر ليتعلم الكلام.. ولكنه يحتاج عمراً مديداً ليتعلم الصمت أو الإصغاء.
مقولة ليست من فراغ أبداً فثمة من إذا بدأ بالكلام لا يسمح لك أن تتفوه بحرف واحد أبداً..لا يترك شاردة أو واردة إلا ويخوض بها ..فهو الطبيب البارع والمهندس والمصلح الاجتماعي حسب وهمه.
يوزع عليك حكمه السقيمة ويظن أنه يفعل المعجزات.
هؤلاء موجودون في كل مكان بيننا.
ومن حسن الحظ أننا سابقاً كنا نترك من يثرثر نغادر المجلس..وبذلك تنقطع المعلقات.
أما الأن فقد تغير الحال وصار الفضاء الأزرق المكان الواسع لهذا الهزر اللغوي.
والغريب في الأمر أنه ليس فقط عند العامة من متابعي الصفحات الزرقاء وأصحاب الحسابات الفيسبوكية.
بل من قبل الكثيرين ممن لديهم توق وتعطش للكلام بمعنى أو دون معنى.
وقد أتاحت لهم التطبيقات:( تلغرام، واتس، انستغرام، تويتر) أتاحت لهم تفريغ هذه الطاقة بإنشاء ما يسمى المجموعات.
بعضها مفتوح على مصراعيه لكل سفاسف الكلام والروابط التي تخرب أكثر مما تنفع.
وبعضها الآخر مغلق وهذا يدل على تحيات ومحالّ وصور وورود وأدعية كل ساعة..ولاسيما ممن ليس لديهم ما يقومون به.
يقول أحدهم: كل يوم أحذف من ذاكرة هاتفي عشرات الرسائل
التي تحمل التحايا الورود والغريب أن بعض مرسليها يمرون قربي ولا يلقون تحية الصباح.
لهفة على الأزرق ويباس على أرض الواقع كلنا في العالم الأزرق شبه قديسين وكلنا علماء ومصلحون وإنسانيون ومحبون لكل شيء فمن أين يأتي هذا الخراب؟.
وهمسة محبة لمن يريد باقات وخدمات إنترنت أرخص..(هل تظن أنك تحتاج المزيد من ذلك لتبقى تهزر ساعات وساعات على الأزرق).
لم نصل بعد إلى ثقافة اقتصاد اللغة واحترام خصوصيات الآخرين..إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)
بقي أن أتمنى على البعض قراءة رواية نجيب محفوظ ثرثرة فوق النيل… ومنها اقتبست هذا العنوان.