الثورة – سناء عبد الرحمن:
أصبح التلوث الإلكتروني من القضايا البيئية الحديثة التي تؤرق المجتمعات في الوقت الراهن. ففي ظلّ التطوّر السريع في التكنولوجيا، نشهد تزايداً ملحوظاً في إنتاج واستهلاك الأجهزة الإلكترونية، والتي مع مرور الوقت تتحول إلى نفايات، ما يساهم في تلوث البيئة على نطاق واسع.
وحسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2024، بلغ إنتاج النفايات الإلكترونية حوالي 62 مليون طن في عام 2022، ويشهد زيادة سريعة، وتمت إعادة تدوير 22.3% فقط من النفايات الإلكترونية المنتجة عالمياً. وتعتبر النفايات الإلكترونية من أسرع أنواع النفايات نمواً، حيث يفوق إنتاجها قدرة إعادة التدوير بشكل كبير.
من أخطر المواد
الدكتور محمد محمود سليمان، اختصاص علم البيئة ورئيس قسم الجغرافيا في جامعة طرطوس، أكد لصحيفة “الثورة”، أن النفايات الإلكترونية تتولد بشكل رئيسي من الأجهزة المستهلكة التي تُستبدل بشكل دوري مع التطور المستمر في التكنولوجيا، من بين أبرز مصادر هذا التلوث التخلي عن الأجهزة التالفة، مثل أجهزة الحاسوب، الهواتف… والنفايات الصناعية، إضافة لنفايات الأجهزة الكهربائية. وأوضح الدكتور سليمان أن النفايات الإلكترونية تحتوي على مواد سامة وخطرة، يمكن أن تتسرب إلى البيئة، مثل المعادن الثقيلة (الزئبق، الرصاص، الكاديوم) والمواد الكيميائية الأخرى. هذه المكونات تُعتبر من أخطر المواد التي تؤثر سلباً على صحة الإنسان والنظام البيئي. وتحتوي بعض الأجهزة أيضاً على مواد ثمينة مثل الذهب والفضة، التي يمكن استرجاعها وإعادة تدويرها إذا تم التعامل مع النفايات بشكل آمن.
تهديد للإنسان والبيئة
الدكتور سليمان يرى أن النفايات الإلكترونية، تشكل تهديداً كبيراً ليس فقط على صحة الإنسان، ولكن أيضاً على البيئة بأكملها. إذ يمكن أن تؤدي هذه النفايات إلى أمراض خطيرة، مثل السرطان، اضطرابات في الجهاز العصبي، وأمراض الجهاز التنفسي، كما أن المواد السامة مثل الزئبق، قد تسبب تشوهات خلقية وأضراراً دائمة للأنسجة الحيّة. وأيضاً تساهم في تلوث المياه الجوفية والهواء والتربة، فعند تسرب المواد السامة إلى المياه، يحدث تلوث لمصادر المياه العذبة، ما يؤدي إلى تدهور البيئة الطبيعية. كما أن حرق هذه النفايات ينتج عنه انبعاثات غازات سامة، تسهم في تغير المناخ، وتلوّث التربة بالمكونات السامة، يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على النباتات والحيوانات، ويهدد سبل العيش في المناطق الزراعية.
تحدّيات
وبين د. سليمان أن الكثير من الدول النامية، أصبحت الوجهة الرئيسية للنفايات الإلكترونية القادمة من الدول المتقدمة، حيث يتم التخلص منها أو إعادة تدويرها بطريقة غير قانونية أو غير آمنة. وتعتبر هذه الممارسات واحدة من أبرز التحديات التي يواجهها العالم اليوم، إذ إن العمالة الرخيصة في هذه الدول غالباً ما تكون غير مدربة على التعامل مع المواد السامة، ما يعرض صحتهم وصحة البيئة للخطر. كما أن بعض الدول تقوم بتصدير هذه النفايات إلى دول أخرى، ما يزيد من فوضى التخلص منها.
الحلول المستقبلية
للتقليل من التلوث الإلكتروني، يؤكد د. سليمان أنه يجب البدء من تطوير تقنيات إعادة التدوير بشكل آمن، وتعزيز الوعي المجتمعي حول طرق التخلص السليم من الأجهزة الإلكترونية القديمة، من خلال إعادة التدوير البيئي، وتشجيع الدول على تبني تقنيات آمنة لتفكيك الأجهزة الإلكترونية واسترجاع المعادن الثمينة منها، والتوعية البيئية. إذ يجب على المجتمع أن يدرك المخاطر البيئية والصحية الناتجة عن التلوث الإلكتروني، واتخاذ خطوات ملموسة للحدّ من إنتاج النفايات. وأوضح د. سليمان أن التلوث الإلكتروني، يمثل تحدّياً بيئياً وصحياً متزايداً، يتطلب استجابة منسقة على مستوى العالم، وأنه لا يمكننا التغاضي عن حجم الخطر الذي تشكله النفايات الإلكترونية، إذ إنها تهدد صحة الإنسان والنظام البيئي بشكل عام، لكن مع توظيف التقنيات الحديثة وإعادة التدوير بشكل صحيح، يمكن تقليل هذا الخطر إلى حد كبير. ويضيف: من هنا يجب أن نعمل على تطوير حلول مستدامة ومبتكرة للحدّ من هذا النوع من التلوث.
أخيراً، إن تحسين عمليات إدارة النفايات الإلكترونية، سيساهم في حماية البيئة وصحة الإنسان، وضمان استدامة عالمنا للأجيال القادمة.