الثورة: نيفين أحمد
زيارة السيد الرئيس أحمد الشرع إلى المملكة العربية السعودية، تعد حدثاً سياسياً بارزاً يحمل دلالات تتجاوز الطابع البروتوكولي إلى عمق التحوّلات في العلاقات الإقليمية، فاللقاءات بين مسؤولي البلدين يعكس رغبة سعودية واضحة في ترميم الجسور مع دمشق ضمن مقاربة جديدة لإعادة بناء النظام العربي على أسس من التوازن والاستقرار، كما تمثّل فرصة سوريا لكسرعزلة استمرت لسنوات طويلة واستعادة موقعها في الخارطة الإقليمية عبر البوابة الاقتصادية التي تفتحها الرياض أمام مرحلة من الشراكة والتنمية.
وضمن هذا السياق يرى الدكتور عاصم نزيه أبو حجيلة عضو مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق وأستاذ العلوم السياسية، في تصريح خاص “للثورة” أن زيارة الرئيس الشرع إلى السعودية تُعدّ نقطة تحوّل في المشهد الإقليمي وقد تسهم في إعادة رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط من حيث التوازنات والمكانة السياسية لكل دولة”.
ويضيف الدكتور أبو حجيلة أن المبادرة السعودية في استضافة القيادة السورية تعبّر عن تحوّل في السياسة العربية تجاه دمشق من نهج المقاطعة والعقوبات إلى نهج الاحتواء والتعاون التدريجي، مشيرا إلى أن هذه الزيارة نجحت في تهيئة الأجواء السياسية المناسبة لإعادة بناء العلاقات وتعزيز الثقة بين الجانبين، لكنّ التحوّل العملي في تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية سيحتاج إلى وقت، نظراً لتعقيدات البيئة الاقتصادية السورية والعقوبات الدولية المفروضة.
وحول الجوانب المهمة للزيارة أشار الباحث السياسي إلى أنها تمثل تحوّلاً استراتيجياً وخطوة سياسية مهمة تحمل أبعاداً تتجاوز العلاقات الثنائية كونها تُعيد سوريا إلى واجهة العمل العربي المشترك وتنعكس على توازنات النظام الإقليمي.
كما أنها فرصة اقتصادية وإنمائية تعيد الزيارة فتح ملف إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد السوري الذي أنهكته الحرب والديون الخارجية مع إمكانية الاستفادة من الخبرات السعودية في مجالات الطاقة والبنى التحتية.
وأضاف أبو حجيلة أن هذه الزيارة عملت على كسر العزلة الدبلوماسية، وتشكّل مؤشراً على رفع تدريجي للعزلة السياسية والاقتصادية عن دمشق وإعادة دمجها ضمن المنظومة العربية والدولية.
وأشار إلى أن هناك عوائق سياسية وقانونية قد تؤخّر ترجمة نتائج الزيارة إلى خطوات عملية في مقدّمتها العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، والتي تشكّل عائقاً أمام أي تدفقات مالية أو مشاريع استثمارية كبرى، كما أن تضارب المصالح الإقليمية يجعل من مسار إعادة التوازن مساراً تدريجياً يحتاج إلى توافقات أوسع بين القوى الفاعلة في المنطقة.
ويؤكد الباحث أن نجاح الاتفاقات الأولية بين دمشق والرياض خصوصاً في مجالات الطاقة والاستثمار وإعادة الإعمار سيعتمد على عاملين أساسيين: الاستقرار السياسي الداخلي في سوريا، ومدى تطابق مصالح القوى الكبرى في الشرق الأوسط مع مسار الانفتاح العربي على دمشق.
تأتي هذه الزيارة في سياق سياسي واقتصادي متسارع تشهده المنطقة بعد أن أعادت القمم العربية في جدة والبحرين فتح قنوات التواصل مع سوريا، وبدأت العواصم الخليجية تدريجياً في صياغة مقاربة جديدة تجاهها.
وقد مثّلت الرياض من خلال تنظيم مبادرة مستقبل الاستثمار (FII)، ساحة مثالية للقاءات رفيعة المستوى بين القيادة السورية وكبار المستثمرين وصناديق التنمية، ما يؤشر إلى تحوّل الاقتصاد إلى لغة جديدة للسياسة العربية.
في المحصلة الزيارة هي محطة سياسية واقتصادية مفصلية تتجاوز بعدها الرمزي نحو محاولة إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية على أسس التعاون لا الصراع.