الثورة – ثورة زينية:
تنبض العاصمة دمشق بالحياة على مدار اليوم، حيث تتداخل أصوات المارة وحركة العربات مع ألوان المباني القديمة وروائح المقاهي المنتشرة في الساحات، لكن مع كثرة التجمعات العشوائية والاستخدام العفوي للفضاء العام، بدأت هذه الحيوية تتحول أحيانا إلى فوضى تهدد بانسيابية الحركة في المدينة ومظهرها الحضري في مواجهة هذا الواقع.
محافظة دمشق وبعد ارتفاع الأصوات ضد هذه المظاهر سارعت إلى وضع ضوابط لتنظيم استخدام الساحات والمواقع الحيوية، من أجل استعادة الانضباط للمشهد الحضري وضمان توازن بين حياة السكان اليومية والحفاظ على الشكل الجمالي للمدينة، بما يعكس حرص العاصمة على مزج التاريخ بالحياة العصرية من دون أن يطغى أحدهما على الآخر.

مصدر في محافظة دمشق بين لصحيفة الثورة أن المحافظة كانت قد أصدرت الأسبوع الماضي قراراً يقضي بمنع النزهة وإقامة الجلسات العشوائية في ساحات المدينة، وعلى رأسها ساحة الأمويين وساحة المرجة، إلى جانب عدد من المواقع الحيوية الأخرى.
القرار حسب المصدر شمل أيضا منع انتشار العربات و(الحناتير) المستخدمة في جلسات التصوير، وكذلك حظر نصب الطاولات وتدخين الأراكيل وشرب القهوة والشاي في الأماكن العامة المفتوحة بشكل عشوائي.
وشدد على أن الهدف من القرار ليس التضييق على المواطنين، بل تنظيم استخدام الفضاء العام بما يليق بمكانة المدينة التاريخية، وضمان نظافتها وجمالها.
وحذر من أن المخالفين للتعليمات قد يتعرضون للغرامة أو لتحصيل رسوم تنظيمية في إطار تطبيق القانون بشكل عادل على الجميع.
بدائل مجانية ومفتوحة للجميع
على الرغم من أن بعض المواطنين أبدوا تحفظهم على القرار، فإن الغالبية ترى أن النظام لا يعني المنع، بل التنظيم وأن تخصيص الحدائق العامة كبديل مجاني يمثل حلاً عمليا ومتوازنا.
ولتعويض هذه المساحات التي تم منع النزهة والجلوس فيها، يشير المصدر إلى تخصيص 83 حديقة عامة موزعة في أحياء دمشق المختلفة، مفتوحة مجاناً أمام المواطنين لممارسة نشاطاتهم الترفيهية والاجتماعية ضمن أطر منظمة وبإشراف فرق النظافة والرقابة، حيث تم تهيئتها لتكون بديلاً حضارياً، بما يتيح للأسر قضاء أوقات مريحة وآمنة بعيداً عن الازدحام والفوضى.
إعادة الاعتبار للفضاء العام
الخبير في شؤون التخطيط الحضري للمدن المهندس نضال هيلم أوضح أن ساحات دمشق في السنوات الأخيرة شهدت انتشارا واسعا لظاهرة النزهة والجلسات الشعبية داخل الميادين والساحات العامة، حيث كان كثير من المواطنين يفترشون الأرض ويجلسون على (الطراريح) ويفتحون عدة الشاي والقهوة لقضاء أوقات فراغهم، ورغم الطابع الشعبي الجميل لهذه الظاهرة، استدرك المهندس هيلم بأنها كانت تتسبب في ازدحام مروري، وتشويه بصري، وتراكم نفايات في أماكن يفترض أن تكون واجهة العاصمة، واصفا القرار بأنه يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو جعل الفضاء العام منظماً، ويعزز من ثقافة احترام الملكية العامة واستخدامها بمسؤولية.
وأضاف: لم تقتصر آثار هذه المظاهر العشوائية على المشهد الجمالي فحسب، بل طالت أصحاب المحلات التجارية والسائقين في وسط المدينة، فقد شكا العديد من أصحاب المحلات المحيطة بالساحات خاصة ساحة المرجة من تراجع حركة الزبائن وصعوبة الوصول إلى محالهم بسبب الازدحام والفوضى الناتجة عن الجلسات غير المنظمة، إضافة إلى تراكم النفايات والدخان الذي كان يؤثرعلى بيئة العمل ونظافة المحيط، أما سائقو سيارات الأجرة والنقل العام، فقد تزايدت معاناتهم اليومية مع الاختناقات المرورية الناتجة عن تجمعات كبيرة في أماكن غير مخصصة، مما أدى إلى تعطيل حركة السير وازدياد المشاحنات والمشادات بين السائقين والمارة.
مشكلات أمنية ومظاهر غير مرغوبة
إلى جانب الفوضى المرورية والتنظيمية، برزت في بعض الساحات، وعلى رأسها ساحة المرجة، مظاهر مقلقة يتابع الخبير هيلم: تمثلت في شجارات متكررة بين مجموعات من الشبان، وصلت أحياناً إلى استخدام أدوات حادة وحتى إطلاق نار في الهواء، ما أثار قلق السكان وأصحاب المحلات في المنطقة، ما سجلت عدة حوادث تكسير سيارات مركونة وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة خلال هذه التجمعات، فضلاًعن انتشار سلوكيات غير لائقة.
وأوضح أن هذه الأحداث المتكررة دفعت المحافظة إلى التعامل مع الملف بجدية أكبر، معتبراً أن تنظيم الساحات العامة لم يعد خياراً تجميلياً بل ضرورة أمنية ومجتمعية للحفاظ على النظام العام وسلامة المواطنين.
ترسيخ ثقافة الوعي المدني
ويؤكد الخبير هيلم أن نجاح أي قرار لا يتوقف على تطبيق القوانين فقط، بل يعتمد على وعي المواطنين وتعاونهم في الحفاظ على الفضاء العام، وهنا يأتي دور المجتمع المحلي ووسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الانضباط والمسؤولية الجماعية، من خلال نشر الوعي بأهمية الحفاظ على النظافة والهدوء، واحترام خصوصية الأماكن العامة، لافتاً إلى أن مثل هذه القرارات تعكس اتجاها نحو إدارة أفضل للمدينة والحفاظ على طابعها العمراني والتراثي، موضحا أن الساحات الكبرى في أي عاصمة هي رمز لوجهها الحضاري، ويجب أن تبقى مفتوحة ومرتبة خالية من المظاهر التي قد تسيء إلى جمالية المكان أو تشكل خطراً على السلامة العامة.