الثورة – رولا عيسى
تقدم العاصمة السعودية “الرياض” من خلال “مبادرة مستقبل الاستثمار”، ميزة تنافسية جديدة، وهي لا تنافس فقط على حجم الصفقات أو سيولة الأسواق، بل على دورها كحلقة وصل حيوية بين اقتصادات الشمال المتقدمة وأسواق الجنوب الناشئة والواعدة.
كما أن قدرة المؤتمر على جمع قادة من جانبي الانقسام الجيواقتصادي العالمي، كما يتضح من الحضور المتنوع هذا العام، يطرح المملكة كوسيط استراتيجي لا غنى عنه في بنية النظام المالي الدولي الجديد.
يقول الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور محمد شعبان: تكمن أهمية المؤتمر للمملكة في عدة أبعاد استراتيجية، من ضمنها أنه محرك لتنويع الاقتصاد، إذ يعمل المؤتمر كأداة تسويق عالمية ضخمة لرؤية 2030.
فرص هائلة
فمن خلاله، والكلام للخبير الاقتصادي، تستعرض السعودية الفرص الاستثمارية الهائلة في قطاعات غير نفطية مثل التكنولوجيا، والسياحة، والترفيه، والطاقة المتجددة، مما يجذب رأس المال الأجنبي المباشر ويسرّع من وتيرة التحول الاقتصادي.
ويبين الخبير الاقتصادي أن المتابع للمؤتمر على مدار ثلاثة أيام يلمس أنه بات مركزاً عالمياً لصنع الصفقات، ويُعرف المؤتمر بـ”دافوس الصحراء” ليس من فراغ، إنه المكان الذي تُعقد فيه صفقات بمليارات الدولارات وتُطلق فيه مبادرات تغير قواعد اللعبة، وهذا الدور يعزز من مركزية الاقتصاد السعودي في شبكة المال العالمية.
ويصف الدكتور شعبان مؤتمر مستقبل الاستثمار بأنه قوة ناعمة ودبلوماسية اقتصادية، فاستضافة هذا الحشد من القادة والمؤثرين يمنح السعودية دوراً دبلوماسياً هائلاً، والحوارات التي تُجرى على هامش المؤتمر لا تقل أهمية عن جلساته الرسمية، حيث تُبنى الجسور، وعن اللقاءات السورية السعودية، يرى فيها دلالات اقتصادية وسياسية عميقة.
وتُعد مشاركة الرئيس أحمد الشرع في مؤتمر هذا العام مثالاً حياً على تقاطع الاقتصاد بالسياسة في الرياض، كما أن لقاءاته مع كبار المستثمرين الدوليين، بالإضافة إلى اجتماعاته مع وزيري الخارجية والاستثمار السعوديين، تحمل دلالات مهمة منها أنه منصة لإعادة الإعمار، فبالنسبة لسوريا يمثل المؤتمر فرصة لا تقدر بثمن لعرض البلاد كوجهة استثمارية واعدة في مرحلة ما بعد الصراع، وتسعى دمشق لجذب رؤوس الأموال اللازمة لمشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، والمؤتمر هو البوابة المثالية للوصول إلى صناع القرار الاستثماري عالمياً.

ونجد أن اللقاءات وما نتج عنها من دعم اقتصادي، في إطار البحث عن فرص استثمارية تحت مظلة سعودية، يمنح المستثمرين المحتملين شعوراً بالثقة والأمان. واصفاً بأنها بمثابة ضوء أخضر إقليمي ودولي للاستثمار في سوريا الجديدة، ويشير إلى أن المملكة تلعب دوراً محورياً في استقرار المنطقة وإعادة دمج سوريا في محيطها العربي والدولي.
الدبلوماسية الاقتصادية بدورها الخبيرة الاقتصادية والتنموية الدكتورة زبيدة القبلان قالت: “ما نشهده في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار هو تجسيد لمفهوم الدبلوماسية الاقتصادية الحديثة التي تتقنها السعودية ببراعة، كما أن المملكة لا تستخدم قوتها الاقتصادية لجذب الاستثمارات فحسب، بل لتعزيز دورها كصانع سلام ووسيط استراتيجي في المنطقة.
وترى أن حالة سوريا هي الأبرز، فبدلاً من الاكتفاء بالحلول السياسية التقليدية، تفتح الرياض الباب أمام الحلول الاقتصادية كمدخل للاستقرار طويل الأمد، وعندما تجتمع رؤوس الأموال الدولية على طاولة واحدة مع القيادة السورية الجديدة في العاصمة السعودية، فهذه رسالة واضحة بأن مستقبل سوريا الاقتصادي مدعوم برعاية سعودية، مما يثبت أنها ليست مجرد لاعب اقتصادي، بل مهندس للاستقرار الإقليمي.
في الختام، يؤكد مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار أن قوة السعودية لم تعد تُقاس فقط ببراميل النفط، بل بقدرتها على جمع العالم، اقتصادياً وسياسياً، لرسم ملامح مستقبل أكثر ازدهاراً واستقراراً للجميع.