أربع سنوات مرت على قرار توقف إصدار الصحافة الورقية في سورية، وما زال النقاش محتدماً بشأنها، وهل كان ذلك القرار صائباً أم خاطئاً ؟ وهل استطاعت الصحافة الإلكترونية سد الحاجة والتعويض عن فقدان الورق التقليدي؟
وأخيراً هل انتهى عصر الصحافة الورقية كلياً، وبدأ عصر الإلكتروني والرقمي(ديجتال) كمرحلة لا بد منها؟.
إنها أسئلة تحتاج إجابات قطعية، أو واقعية في أدنى حد للشروع في انتهاج سياسات إعلامية تتماشى مع منطق وطبيعة واحتياجات سوق الصحافة الإلكترونية والرقمية كإعلام جديد يتجاوز مراحل الإعلام التقليدي الذي حافظ على استخدام المطبوعة الورقية في مسيرة تطور كبيرة من وسائل وأساليب الطباعة والإخراج والتنفيذ والتنضيد والتصوير والتصحيح وغيرها من العمليات الفنية التي رافقت المسيرة الطويلة للصحافة التقليدية.
على الرغم من وجود فئة كبيرة ما زالت ترى في الصحافة الورقية الحل الأفضل للإعلام الفاعل والمؤثر، لكن التطور التكنولوجي الكبير وسرعة تبدل وسائل الاتصال ودخولها حياة البشر كجزء أساسي من الحياة اليومية فرض شروطاً ومفاهيم جديدة، وأفسح المجال واسعاً أمام تطور الصحافة الحديثة، وقبولها بصورة متزايدة، وإدخال مفاهيم شكلية وبنيوية في تناولها، وبرزت الاتجاهات القوية للمباشرة والاختصار، وتدعيم الرأي بالصور والمخططات والبيانات الإحصائية كأدوات تغني عن الشروحات الطويلة التي سادت وسائل الإعلام لسنوات عديدة.
وفي الوقت الذي ما زال الصحفيون التقليديون والمتابعون من القراء التقليديين يطالبون بضرورة العودة لإصدار صحافة ورقية، وإن كانت بحدود صغيرة، فإنهم يواجهون معارضة واقعية مفروضة على الأرض من جانب جمهور الإعلام الحديث الذي ظهر كمستخدم صاعد يمزج أشكال الإعلام كلها في برامج تمكنه من التداخل والتفاعل مع المادة الإعلامية والنفاذ من خلالها لموضوعات ذات علاقة ما معها، وبالتالي التنقل في الفضاءات الإعلامية الحديثة بعيداً عن حدود الصحافة التقليدية وإطاراتها المغلقة عبر التفاعلية، فالجمهور المستهدف يكبر ويتسع أمام الصحافة الإلكترونية والرقمية، ويتراجع، وربما ينعدم في اتجاهات العودة إلى الخلف، الأمر الذي يستدعي التحول المدروس باتجاه تكريس مفاهيم الحداثة الإعلامية وفق طبيعة الوسائل الحاملة لها، وبما يمكن من إيصال الرسالة إلى الفئات المستهدفة مدعومة بكل العوامل المساعدة، والتي أصبحت بحوزة كل الصحفيين، وإن كانت بنسب متفاوتة، ولكنها موجودة، بعدما أضحت واقعاً لا يمكن تجاوزه.