الثورة – ديب علي حسن:
حين بدأت فكرة الوجبات السريعة التي نشأت في الولايات المتحدة مع سلسلة المطاعم السريعة كانت فرحة المستهلكين كبيرة ولم يكن يخطر في بال أحدهم أنه سوف يكون ضحيتها في الترهل والأمراض والكآبة وسوء التغذية، الكل يتحدث عن سرعة الإنجاز ولكن لم يتوقفوا عند الضرر القادم.
الحال نفسه يتكرر مع الوجبات الزرقاء، وفورة الشابكة، فكما كانت الفرحة السابقة حدثت الجديدة، والآن بعد أن ظهرت كوارث وندوب، بل بثور الأزرق بدأ الصراخ والتحذير من الحديث عن الاستلاب الفكري والغربة الاجتماعية وأنت في بيتك..
وخرجت عشرات الدراسات التي تعلن أنه قد حان الوقت لإنقاذ العقل.. فإذا لم نستطع أن ننقذ الجسد من الترهل فليكن على الأقل إنقاذ العقل.
من الكتب المتداولة والمهمة في هذا المجال كتاب “السطحيون”، (إذ يأخذنا نيكولاس كار في رحلة عميقة تستكشف العلاقة المتبادلة بين التفكير البشري والتكنولوجيا التي نتفاعل معها، مُقدمًا صورة حية لقوة التحول الرقمي.
يبدأ كار برؤية تاريخية شاملة، مُبرزًاً كيف أثرت الابتكارات المهمة- من الأبجدية إلى الخرائط وصولاً إلى مكبس غوتنبرغ- في تشكيل أنماط التفكير البشري، ويرى أن هذه الابتكارات قد قامت بتشكيل قدراتنا المعرفية، مع تقديم كل تغيير لمكاسب وخسائر في القدرات الذهنية.
ومع ذلك، يُظهر كار أن الشابكة تمثل تأثيرًا فريدًا بحجمه وأثره، هذا النظام الرقمي المتقدم الذي أعاد بنية نمط استهلاكنا للمعلومات.
ضياع العمق
انتقلنا من القراءة العميقة والمستمرة للكتاب إلى عالم متقطع وسريع من النوافذ المتعددة والإشعارات والروابط، هذا التحول ليس مجرد تغيير في العادة فقط، فعقولنا، التي تتميز بمرونتها، تتكيف مع هذه الأنماط، وتعيد توجيه نفسها، نصبح بارعين في التصفح السريع والفحص ومتعددي المهام، ولكن الثمن هو غالباً تلك الفكرة الغنية والمُعمقة التي تُغذيها قراءة الكتب.
القلق الذي يُبرزه كار هو أن هذا التحول نحو الرقمية قد يُظلل قدرتنا على التأمل والتفكير العميق.. الانترنت هو مستودع لا مثيل له من المعرفة، وقوته في تحقيق التقدم لا يُنكر، ولكن السرعة والكمية الهائلة من المعلومات قد تكون تُثقل كاهل قدراتنا المعرفية. ويُؤكد كار على المخاطر التي تكمن في أن نصبح متصفحين دائمين على سطح المعرفة، دون الغمر في أعماقها.
ومع ذلك، “السطحيون” ليس إعلانًاً عن نهاية العالم، ولكنه دعوة للتصرف.
يدعونا كار لأن نكون مُلاحين ذوي تمييز في العالم الرقمي، وأن نوازن بين فورية الانترنت وفترات التفاعل العميق وغير المشتت، لضمان أننا، في هذا العصر الرقمي، نحافظ على جوهر الإنسانية).
لقد تركت الشابكة أثرها العميق على كل شيء وبات على الإنسان أن يسعى جاهداً للتحرر من ربقتها قدر إمكانه فهو لن يستطيع الاستغناء عنها أبداً، ولكن عليه أن يكون قادراً على التفاعل والتعامل ليس بالانغماس القاتل والوصول إلى مرحلة الاستلاب.