الثورة – دمشق – وفاء فرج:
شكلت المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر أولوية لدى الدولة، لما لها من أهمية في التنمية الاقتصادية، وعليه تم العمل على تجهيز البنية التشريعية والتنظيمية لانطلاقتها، وتعددت القوانين والإجراءات، إلا أننا لم نر ترجمة جدية لانطلاقة هذه المشروعات.
والسؤال.. ما الذي تحتاجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال رؤية المختصين، لانطلاقة حقيقية وملموسة لهذه المشروعات؟
أين التطبيق؟
الباحث الاقتصادي وعضو جمعية العلوم الاقتصادية محمد بكر قال لـ”الثورة”: إن الأطر التشريعية والتنظيمية موجودة ولكنها غير مطبقة ولم تحظ بالمتابعة الجدية من قبل الجهات المعنية بالتطبيق، وإلا لكان حالها أفضل مما هي عليه.
وحدد معوقات تنمية المشروعات في السياسات المالية والنقدية بأنها تتمثل بـ(الضرائب- الجمارك- الرسوم- منصة التمويل- نقل الأموال والتحويل الداخلي والخارجي)، إضافة إلى تأمين التمويل وارتفاع سعر الفائدة وشروط منح القروض التعجيزية، ناهيك عن الروتين والتراخيص وإجراءات الكشف، والفساد الذي يزيد من الصعوبات والتكاليف، إضافة إلى عدم توفر حوامل الطاقة وارتفاع تكاليفها وأسعار تزيد كثيراً عن دول الجوار، بالإضافة إلى نقص العمالة الخبيرة لأسباب متعددة منها الخدمة الإلزامية أو الهجرة والسفر.
تحركات جادة
وأشار بكر إلى أن أهم ما يمكن أن تقدمه الحكومة لتشجيع هذه المشاريع ومساعدتهم على النمو هو ضرائب أقل وإدارة أقل (روتين أقل)، ووصول أفضل إلى التمويل إضافة إلى التمويل الكامل للتلمذة الصناعية للشباب، والحد من الروتين وتبسيط الإجراءات.
ونوه بكر بضرورة أن تكون هنالك خطوات جادة وعدم الاكتفاء بالاجتماعات، واتخاذ إجراءات عملية وتنفيذية لتوجيهات السيد الرئيس بشار الأسد، لتبدأ عجلة الإنتاج والإسراع بالتعافي المبكر لاقتصادنا.
إعادة الانطلاق
الباحث الاقتصادي الدكتور عامر خربوطلي أكد أن الحديث عن المشروعات الصغيرة عاد إلى الواجهة ومن أعلى مستويات القرار ما يؤكد مجدداً أهمية هذا النوع من الأعمال في إعادة الانطلاق للاقتصاد السوري.
وبين أن قطاع المشروعات متناهية الصغر في سورية يشكل حوالي 60% من قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل بدورها حوالي 97% من إجمالي القطاع الخاص السوري، والذي يساهم حالياً بحوالي ثلثي الناتج المحلي، وهذا يعني أن قطاع المشروعات متناهية الصغر في حال نجاح دعمه وتمويله، سيساهم بحوالي 35% من الناتج المحلي السوري، وهي نسبة مهمة جداً عند ضمان استمرارية ونجاح هذه المشروعات، سواءً الزراعية أو الصناعية أو الحرفية أو التجارية والخدمية.
غياب التأشير النوعي للدعم
ويرى خربوطلي أن المشكلة في هذا النوع من المشروعات هو غياب التأثير النوعي للدعم وصعوبات التأسيس وممارسة الأعمال، وضعف التمويل وتواضع الخدمات المطلوبة لمثل هذه المشروعات المتوزعة على مساحة الجغرافيا السورية، على الرغم من أنها الأجدر بمثل هذه الخدمات من المشروعات الكبيرة.
ولفت إلى أن صدور القانون رقم /8/ الذي سمح بإنشاء مصارف التمويل الأصغر أدى إلى اختراق كبير على صعيد منظومة دعم وتمويل هذه المشروعات، ولكنه غير كاف إذا لم يكن هناك نظرة شمولية لآليات الدعم والتشجيع لتتناول جميع مراحل تأسيس مثل هذه المشروعات وممارستها ابتداءً من (الفكرة- الترخيص- التسجيل – حماية الملكية- الضريبة- تسجيل العمال).
تحديات تحد من انطلاقتها
وأوضح الدكتور خربوطلي أن المشروعات متناهية الصغر والصغيرة تعاني من تحديات كبيرة تحد من انطلاقتها وهذا ما نلمسه بمشاركتها التنموية غير الكبيرة حتى الآن، فهناك مجموعة من مفاتيح النجاح لهذه المشروعات على المستوى المحلي، لابد من التركيز عليها قبل البدء برسم اللوحة الشمولية لهذا القطاع، وتحليل ارتباطاته مع بقية القطاعات والجهات، والإسراع بوضع إستراتيجية لهذا القطاع لتحديد الرؤية المستقبلية ورسم الأهداف متوسطة وطويلة المدى وبدائل السياسات ومن ثم البرامج والمشاريع الداعمة.
ونوه بأهمية تفعيل دور الإدارات المحلية في المدن والبلدات والمحافظات لتكون مركزاً لإجراءات التراخيص والسجلات لجميع المشروعات، تسهيلاً للوقت والجهد والتكلفة.
وأشار إلى الاستفادة من الانتشار الجغرافي لغرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة في المحافظات، لتكون مرجعاً استشارياً وتدريبياً ومعلوماتياً لهذه المشروعات في أماكن توضعها (يوجد دراسة مستقلة عن هذا الموضوع).
ودعا إلى التركيز في عمليات التمويل على ضمانة الفكرة والجدوى الاقتصادية الحقيقية وتحليل التدفقات النقدية الداخلة للمشروع، واعتماد معاملة ضريبية داعمة لهذه المشروعات، واعتماد عمل هيئة دعم المشروعات الصغيرة على التخطيط وإعداد الاستراتيجيات، وتفويض الجهات الأهلية بتقديم الخدمات المباشرة بإشرافها، وتنويع صيغ التمويل لتشمل التمويل الأصغر الإسلامي عبر إصدار قانون خاص به وتشجيع الغرف والاتحادات والجمعيات على المشاركة في تأسيس هذه المصارف.
ورأى أن هذه المشروعات تتطلب تخفيض تكاليف وأعباء القروض الصغيرة بالنسبة لأصحاب المشروعات عبر إعادة خصم الفوائد من قبل البنك المركزي وتحمله للفروقات ما بين تكلفة الفوائد المصرفية ومعدلات الإقراض الفعلية.
ونوه بأهمية الاستفادة من الانتشار الجغرافي للمصارف الحكومية المختصة بالتمويل الصغير (التسليف الشعبي- توفير البريد) لتكون حواضن لمؤسسات تمويل وفق القانون /8/ وفق صيغ تعاقدية وإعادة دراسة أساليب التمويل المعتمدة، والضمانات المطلوبة ودراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي لهذه القروض، وإعادة هندسة العمليات لجميع الإجراءات التنظيمية الحكومية المتعلقة بإنشاء وممارسة الأعمال الصغيرة، وإلغاء ما يمكن إلغاؤه وتبسيط الإجراءات ومن ثم العمل على أتمتتها وإتاحتها لأصحاب المشروعات بصورة إلكترونية.
وأكد الدكتور خربوطلي على أن ساعة العمل الجدي بدأت وبقوة، ولا مجال للتأخر في إسعاف هذه المشروعات ووضعها في المسار الصحيح.