الجلاء.. صنعته سيوف الأحرار

الثورة – السويداء – رفيق الكفيري:
السابع عشر من نيسان من كل عام، سيبقى يشكل علامة فارقة ومميزة في تاريخ سورية الحديث، ففي مثل هذا اليوم تمكّن الشعب السوري وبإرادة قوية وعزيمة لا تلين، انتزاع النصر من عيون ومطامع المستعمرين، النصر الذي جاء بعد نضال عتيد دام ربع قرن ضد الاستعمار الفرنسي البغيض، وتمثل من خلال ثورات متعاقبة امتدت مساحتها على كل الجغرافية السورية، الجلاء الذي نحتفل اليوم بذكراه الثامنة والسبعين خير دليل وشاهد على ضروب الشجاعة والبطولة والبسالة التي سطرها السوريون من أقصى الشمال إلى الجنوب ومن الساحل إلى الجزيرة، ومنهم أبناء الجبل الأشم جبل العرب في مواجهة الغزاة والمحتلين.
وبهذه المناسبة العظيمة نستنهض ذاكرة التاريخ لنكتب سيرة بعض المجاهدين والشهداء الأبطال, هؤلاء الأبطال الذين برزوا في ساحات القتال أثناء الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الاستعمار الفرنسي بقيادة قائد الثورة سلطان باشا الأطرش وكانت شجاعتهم مضرب الأمثال.
إن استحضار قامات أولئك المجاهدين الذين سطروا في سفر التاريخ أروع ملاحم البطولة والفداء ضد عدو لا يعرف إلا امتصاص خيرات الشعوب وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، مجاهدون اجتمعوا على محبة الوطن وتكاتفوا وانضووا تحت شعار /الدين لله والوطن للجميع/ هذا الشعار الذي أطلقه القائد العام للثورة السورية الكبرى المجاهد سلطان باشا الأطرش، وهم عاقدون العزم على طرد كل من يحاول أن يدنس تراب الوطن رافضين الوصاية والانتداب والاحتلال.
فعقيدة مجاهدي الثورة السورية الكبرى، سلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو ويوسف العظمة وحسن الخراط وفوزي القاوقجي وأحمد مريود ومحمد الأشمر، الراسخة بالانتماء للوطن هي التي استطاعت أن تدحر جيوش الاستعمار الفرنسي وتحبط كل المخططات الاستعمارية التي كانت غايتها تقسيم البلاد ليتسنى لها نهب خيراتنا.
من جبل العرب الأشم انطلقت الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد المستعمر الفرنسي وعمت أرجاء سورية لتسطر ملحمة بطولية قدمت أكثر من خمسة آلاف شهيد وشكلت الأساس لكل النضالات التي جاءت وحققت الجلاء في السابع عشر من نيسان عام 1946 والذي فتح أبواب سورية نحو الحرية والتقدم، وقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش منذ مبايعته قائداً عاماً للثورة وجه عدداً من البيانات، شدد فيها على الوحدة الوطنية ومواصلة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، فقد جاء بيانه الأول (إلى السلاح إلى السلاح يا أحفاد العرب الأمجاد هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، أيها السوريون لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى فلنأخذ حقنا بحد السيف ولنطلب الموت توهب لنا الحياة. استطاع أن يجمع في شخصه الكرم والشجاعة والشهامة والصلابة والتواضع والزهد وأن يكسب محبة أبناء الوطن وتقدير واحترام القادة، أحب الأرض الذي ولد فيها وأكل من خيرها واستقر جثمانه الطاهر باستقرار واطمئنان، الأرض الذي دعا قبل وفاته إلى أن لا يرفعوا قبره عنها لأنها أرض مقدسة ولا أحد يعلو عليها، وفي واحدة من مآثر وبطولات القائد العام للثورة السورية الكبرى والتي لا تعد ولاتحصى.
روى المجاهد (أبو حمد يوسف العيسمي) ما ترجمه عن (خليل جبارة) مترجم الضابط البريطاني (شانسلور) ما يلي: بعد أن بلغ الجوع والعوز، مبلغاً من الثوار المتواجدين مع عائلاتهم وأطفالهم في وادي السرحان، حيث أرسلوا عن طريق العديد من الشرفاء والوطنيين العرب في مصر ولبنان رسائل طلبا للمساعدة بتأمين المؤن، ولأن الحكومة البريطانية والمفوض السامي لها في القدس يعملون مع الفرنسيين لإنهاء الثورة، لذلك أوفدت الحكومة البريطانية، ضابطاً لديها لمعاينة واقع الثوار والاتفاق معهم لإنهاء الثورة.
وصل الضابط (شانسلور) ومعه عدد من الضباط والجنود والمرافقة ومترجمه العربي (خليل جبارة) إلى خيمة سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى في (النبك) بوادي السرحان، وقتها قال قائد الثورة سلطان باشا الأطرش للحضور: لا أحد يقف بوجه الضابط وابقوا جالسين في أماكنكم، وبعد دخوله طلب من جنوده ومرافقيه بسط طاولات الطعام والدجاج المطبوخ واللحم.. ثم وضع صندوقين من المال بجانبه، والتفت إلى قائد الثورة قائلاً: جئت موفداً من رئيس حكومة الانتداب البريطاني، ممثلة المملكة العظمى، أحمل إليك هذين الصندوقين، وهذا الطعام الشهي لك ولرجالك الجائعين في هذه الأرض المقفرة.. فرد قائد الثورة بكل شموخ وعزة قائلاً له: لامال من دون مقابل فما هو طلب حكومتك؟ قال الضابط: الطلب بسيط وسهل، أن تتخلى أنت وجماعتك عن الثورة ومحاربة فرنسا، وبريطانيا العظمى تتعهد لك ولرفاقك بصدور العفو عنك وعنهم وتعودوا إلى بلدكم الجبل وإلى أرضكم ودوركم وزرعكم.

انتفض الباشا كنسر وأجابه بصوت مرتفع: ليك يا أفندي بلغ حكومتك إنّني لن أتخلى أنا ومن معي عن مطالب ثورتي في الاستقلال وحرية وطني سورية إلى آخر رمق في حياتنا، إما الموت وإما الحرية، وهذه صناديقك وطعامك خذها معك، نحن لسنا بحاجة لها، في هذه اللحظة الطفل نايف، ابن السبع سنوات يرافق والده المجاهد حسين العطواني من شدة الجوع قد هم إلى صينة اللحم والتقط قطعة من اللحم، فوقعت عينه على عين قائد الثورة عندها رمى القطعة من فمه وانصرف ليجلس بجانب والده.
فلما رأى الضابط الإنكليزي، إصرار الباشا ومن معه، وتبين له صدق موقفهم وتمسكهم بحقهم نهض واقفاً وأدى التحية العسكرية للباشا وانصرف مع مرافقيه، في طريق العودة للقدس دار الحديث التالي بين الضابط الإنكليزي ومترجمه العربي (خليل جبارة) المترجم: سيدي لقد رأيت منك العجب اليوم، فحين وصولنا إلى خيمة سلطان لمقابلته، أسرعت وجلست، ولم تلق التحية على سلطان ثم كنت وأنت تتحدث إليه تتحدث بكبرياء وتعجرف، لكنك حين هممت بالانصراف رأيتك تنهض وتؤدي التحية العسكرية له بكل احترام.
ردّ الضابط قائلاً: نعم لقد كان ذلك لأنني في البداية كنت أظن أن سلطان رئيس عصابة يمكن أن نشتريه بالمال، ولا يمكن لي وأنا ممثل المملكة العظمى، أن أصافح رئيس عصابة /قائد الثورة رفض مصافحته/، ولكنني بعدما قابلته وسمعت رأيه تفهمت منه عكس ما عرفته عنه، فهو قائد ثورة تسعى للحرية، وهو أبي وشجاع يدافع عن حق شعبه ولا يغره المال لذلك أديت له التحية العسكرية كما أؤديها لأي قائد عسكري في بريطانيا.
وفي هذا المقام لا نجد أبلغ مما قاله القائد المؤسس الرئيس حافظ الأسد راعي الجهاد والمجاهدين في قائد الثورة السورية الكبرى عندما نعاه باسم الجمهورية العربية السورية (كان سلطان باشا رمزاً كبيراً من رموز النضال الوطني وأبلى بلاء كبيراً ناصعاً في الجهاد ضد المستعمرين, وكان للثورة السورية الكبرى التي تولى قيادتها العامة الأثر الكبير في دفع مسيرة النضال من أجل الاستقلال نحو النصر, وسيظل اسمه في تاريخ قطرنا مقروناً بالكفاح الوطني).
‏ومن قادة الثورة السورية الكبرى الذين كانوا إلى جانب قائد الثورة في كل معارك الشرف والعزة والكرامة ضد المحتل الفرنسي الغاشم المجاهد عقلة القطامي الذي تربى في جبل العرب وأصبح صورة حية لأخلاق بيئته, وكان مثلاً أعلى في الدفاع عن الحرية والاستقلال, خابت آمال الفرنسيين في هذا الثائر والوطني عندما حذر الجنرال غورو بقوله: (إن الدورة الدموية التي تسري في عروقنا ليست فرنسية ولا بريطانية إنها عربية المنبع).
وبعد أن احتلت جيوش الفرنسيين الجبل نزح مع قائد الثورة والمجاهدين إلى صحراء شرق الأردن، حيث مكث 12 عاماً وما انفك خلالها يطالب بالاستقلال والجلاء عن سورية، وعندما قطفت الثمرة الأولى بمعاهدة عام 1936 عاد إلى الجبل مع المجاهدين عام 1937 وكافأته جماهير شعبنا في سورية ليكون في مجلسها النيابي لأعوام 1943- 1947 ولدوره الوطني ورفضه لكل الإغراءات التي قدمتها له فرنسا, فقد قامت فرنسا بنفيه عدة مرات وهدمت داره في خربا وصادرت أملاكه والمجاهد الكبير القطامي من مواليد عام 1889 في قرية خربا في الريف الغربي من محافظة السويداء وانتقل إلى رحمته تعالى عام 1953.

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة