لم تعد الأوضاع كما كانت عليها في الحروب السابقة بل تطورت إلى نحو أكثر خطورة من خلال تكنولوجيا المعلومات على الشعوب والأمم وسيادة الدول التي يستخدمها الغرب عبر ما يسميه الذكاء الاصطناعي , وهذا كان محور النقاش في المؤتمر الدولي الثاني عشر للمسؤولين الأمنيين رفيعي المستوى الذي انعقد في سان بطرسبورغ في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.
هذا المؤتمر الذي شارك فيه كبار المسؤولين في الشؤون الأمنية من أكثر من مئة دولة انعقد في ظل ظروف دولية متوترة تسببت بها الولايات المتحدة لتبقى سيطرتها على العالم من خلال أساليب استخباراتية إجرامية تكنولوجية معقدة لتقويض الأسس الدستورية وزعزعة الاستقرار, وهذا ما ركز عليه المؤتمر لمواجهة التحديات المعاصرة الأكثر الحاحا وخطورة لتعزيز التعاون من أجل المنفعة المتبادلة لجميع الدول لصالح السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم.
إن أهمية المؤتمر تكمن في الطروحات التي تمت مناقشتها من خلال تضليل تكنولوجيا المعلومات على الشباب في دول الجنوب ودفعهم للهجرة إلى الشمال , وهذا ما يؤكد على الفارق الكبير بين مفهومنا لتكنولوجيا المعلومات ومفهوم الغرب, وهنا لا بد من التذكير بما طرحه الوفد الروسي في الأمم المتحدة مؤخرا عندما قدم مشروع قرار بعنوان الجريمة السيبرانية وكيف تسيء استخدام تكنولوجيا المعلومات , ومن الضروري المقارنة بين ما طرح مدعوما بدول عدم الانحياز ومجموعة 77 بين الجريمة السيبرانية وبين ما يستخدم الغرب مصطلح الذكاء الاصطناعي ويعني أن فئة تقول جريمة سيبرانية وفئة تقول ذكاء اصطناعي وهذا يعد مفارقة كبيرة بين المفهومين وهنا تكمن الأهمية لان ذلك له علاقة بالارهاب من أجل تضليل الشباب لسوء استخدام تكنولوجيا المعلومات للوقوع بمطب براثن الإرهاب الذي هو بالأساس لعبة تكنولوجية.
الوفود المشاركة في المؤتمر ناقشت خطورة احتكار الغرب للانترنت ولوسائل الاتصالات للسيطرة على عقول الشباب ,وكيفية استخدام الغرب للذكاء الاصطناعي لإسقاط سيادة الدول في ميثاق الأمم المتحدة من وراء هذه الجريمة السيبرانية , وبهذه الحالة تم الانتقال من مفهوم قدسية السيادة إلى مفهوم تقويض السيادة وتهميشها وبالتالي فإن الغرب لم يعد يناسبه مضمون احكام الميثاق الذي وضع في العام 1945 ويريد فرض رؤية خاصة به من خلال التغييرات الكبيرة التي حدثت منذ ذلك التاريخ ونسف جميع القيم الوطنية التي تعد خط الدفاع الأول الذي يملكه المجتمع للحفاظ على التماسك الاجتماعي ومناعته الداخلية , وهذا ما كانت تقوم به الولايات من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة الذي انعكس سلباً على أمن واستقرار الدول، وأدى إلى الوقوع في فخ التطرف والإرهاب والانتماءات المصطنعة.
المؤتمر الذي استمر لثلاثة أيام ركز على ضمان أمن المعلومات في عالم مستقطب ومسألة الحفاظ على الهوية الوطنية والقيم التقليدية باعتبارها عاملاً لا غنى عنه في دعم الأمن والسلام والاستقرار الدوليين , إلا أن الأمين العام لمجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، أكد أن عدم القدرة على التنبؤ واحتمالات الصراع في العلاقات الدولية زادت الآن بشكل ملحوظ، وهناك اتجاهات نحو التقليل من قيمة القانون الدولي ومؤسساته. وكما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالته عبر الفيديو، فإن هذا يرجع إلى حد كبير إلى الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، والذي لا يزال يسبب الرفض والمعارضة من جانب دول فردية تسعى إلى الحفاظ غير المشروط على هيمنتها, تأكيد الرئيس بوتين يشير إلى وجود اتجاهات نحو التقليل من قيمة القانون الدولي ومؤسساته، وتآكل الدور المركزي للأمم المتحدة في حل الصراعات العالمية والإقليمية وهنا تكمن الخطورة في التفكير الأمريكي وتطورا في استراتيجيات الإرهاب الدولي , لكن هذه الحالة لن تستمر لأن النظام الدولي الراهن يتجه إلى التعددية , أي أن يكون متعدد الأقطاب، وأن الولايات المتحدة والصين وروسيا سوف يكونوا في مقدمة هذه الأقطاب, ومن المرجح أن تشهد المرحلة اللاحقة استمرار التنافس بين واشنطن وخصميها الأساسيين روسيا والصين من أجل التفوق في مدخلات الثورة الصناعية.
نضال بركات