الثورة – ديب علي حسن:
من اللافت للانتباه أن الدور التنويري للكتاب والمبدعين في بدايات القرن الماضي المنصرم كان أكثر حضوراً وقدرة على التأثير وتحديد المشكلات الاجتماعية والثقافية والفكرية التي يجب أن يعالجها.
وأيضاً كانوا أكثر جرأة في النقد واستعمال المشرط الذي لا يترك ورماً إلا وعمل على تشريحه واستئصاله، إن كان لابد من ذلك.
اليوم نفتقد هذه الروح الوثابة إلى الحداثة والحياة منطلقة من جذور حقيقية.
مجلة الثقافة التي صدرت عام ١٩٣٣م، وقد مضى على صدورها أكثر من تسعة عقود.. وهي طبعاً غير المجلة التي أصدرها مدحت عكاش تحت الاسم نفسه عام ١٩٥٨.
مجلة الثقافة الأولى صدر العدد الأول منها في نيسان عام ١٩٣٣م وقد استمرت لمدة عام قدمت خلاله عشرة أعداد مهمة جداً.
وقد فعل خيراً الأستاذ محمد كامل الخطيب- الباحث السوري- والتحقق المهم أن أعاد إصدارها بمجلدين عن وزارة الثقافة السورية عام ٢٠٠٦ .
لماذا هذه المجلة..؟
في مقدمة العدد الأول منها كتب المشرفون عليها وهم: خليل مردم بك.جميل صليبا.كاظم داغستاني، كامل عياد- كتبوا:
أهم ما تستدعيه النهضة الفكرية من الوسائل معالجة المواضيع العلمية والفلسفية والأدبية وتحبيبها للناس على أن جعلها على طرف الثمام لا ينبغي أن يحول دون ضبطها والتعمق فيها لتكوين ثقافة فكرية دائمة.
وللأدب – إذا أعطي حقه- أبلغ أثر في تكوين هذه الثقافة فهو روح النهضات ومظهر حياة الأمة. ولقد طغت عليه جلبة السياسة في هذه الأيام حتى كاد يخفت صوته في ضوضائها، فأصبح من الواجب إقالته من عثرته والأخذ بيده وتقديس حرمه وإنتاج طريق واضح له في الدراسة والوضع، أما دراسته فعلى طريق التنظيم والتوضيح ونفي الفوضى والإبهام وتحكيم العلم والعقل والذوق والنقد الصحيح، وأما الوضع فنرمي من ورائه إلى تكوين أدب يصور حياتنا الحاضرة ويسير معها ويطرد مع ارتقائها ويزجيها الى المثل الأعلى ويلامس طبقات الشعب بلسان عربي مبين له من الفن وسيلة إلى بلوغ الغاية وهي تمثيل الحياة بأروع صورها.
هذه حاجاتنا وهي كما ترى كثيرة تستعصي على الطالب وتستدعي جهدا عظيما ولكن إدراكها كلها أو بعضها بالتدريج والتراخي خير من القنوط أو الإهمال، لذلك فأصحاب هذه المجلة يستعينون الله في مظاهرة رصفائهم في الشرق العربي ممن استقلوا بحمل هذه الأمانة في صحفهم ومجلاتهم ويصدرونها تبحث في الآداب والفنون والاجتماع والتاريخ والحقوق والعلوم والفلسفة.
وغاية ما يرجونه أن يكون التوفيق جزاء إخلاصهم.
أما محمد كامل الخطيب فقد رأى في تقديمه لإعادة طباعة أعدادها:
(لعبت المجلات الثقافية العربية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى اليوم وخصوصاً في فترة ما بين الحربين الأوروبيتين العالميتين في القرن العشرين دوراً ريادياً تنويرياً وتثقيفياً في المجتمع العربي، فقد كانت هذه المجلات هي الفضاء الذي تفاعلت فيه التيارات والعقول والأفكار النهضوية الحديثة في المجتمع والثقافة العربية قبل شيوع وسائل الاتصال والثقافة والفنون الحديثة من تلفزيون وانترنت. الخ، بل ربما كانت أكثر تأثيراً من الكتاب نفسه، فقد عرفت هذه المجلات الناس على الأفكار الحديثة مثلما عرفتهم بعضهم ببعض، خالقة بذلك ما نسميه: وحدة الثقافة العربية المعاصرة على تعداد اتجاهاتها ورؤاها، أما بالنسبة للكتاب، فقد كان على الكاتب ان يقدم نفسه أولاً في إحدى المجلات المعروفة أو (السيارة) على لغة ذاك العصر قبل أن ينال اعتراف القراء وقبل أن يغامر القارىء باقتناء كتابه.).
المجلة مهمة جداً بما قدمته، ومازال حبرها ندياً أخضر، لقد كانت شاملة جامعة بين الفكر والإبداع والترجمة وبروح عالية من المسؤولية والجرأة.