الملحق الثقافي- حسين صقر:
منذ ستة وسبعين عاماً مرت على نكبة فلسطين، ولايزال حق العودة لدى الشعب الفلسطيني الشقيق مطلب الشرفاء والحريصين على حقوق هذا الشعب الذي أنهكته عقود من الغربة والشتات، حيث تعد تلك الحقوق ركيزة أساسية لتقريرمصيره.
إن تشتيت الشعب الفلسطيني، جغرافياً وسياسياً، و أساليب تعاطي الدول الاستعمارية من أجل السيطرة الكاملة عليه، وذلك على أساس الإقامة والعرق وصلت ولاتزال إلى حدّ الفصل العنصري، وهو ما أعاق الوصول إلى حق العودة، وإعادة الحقوق المسلوبة والمنهوبة لأصحابها من الأخوة الفلسطينيين.
ولكون القضية الفلسطينية كانت و لاتزال الشغل الشاغل للأحرار العرب أكد السيد الرئيس بشار الأسد أنه «لا حاجة لتكرار موقفنا الوطني من الكيان المجرم، فموقفنا ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية ولم يهتز للحظة أو ظرف»، ولفت أكثر من مرة إلى أن «المجازر ليست بطارئة على سلوك الكيان الصهيوني، سواء ارتفعت، أو ازدادت، أو انخفضت، لا يهم، والانحياز الغربي الأعمى للصهيونية من قبل الدول الغربية ليس بجديد»
فحق العودة هو مبدأ من مبادئ القانون الدولي الذي يكفل حق كلّ فرد في العودة الطوعية إلى بلده الأصلي أو جنسيته، كما أن دستور أي بلد أو قانونه ينص على حق العودة القائم على الوطنية أو الجنسية أو النسب.
ولهذا ظلت فكرة العودة بالنسبة للفلسطينيين القوة المحركة للنضال الوطني الفلسطيني المعاصر طوال العقود التي تلت النكبة، وقد تكرست فكرة التعارض الرمزي بين فكرة العودة وواقع اللجوء في الخطاب السياسي الفلسطيني وفي الوجدان الشعبي الفلسطيني على حدّ سواء، وفي كثير من المصطلحات، حتى أن المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس 1964 استخدم مصطلح «عائدون» عوضاً عن «لاجئون» في وصفه للفلسطينيين المهجرين والمقتلعين من أرضهم قبيل العام 1948 وبعده.
ومن هذا المنطلق فلحنين إلى الدار والعودة إليها فكرة متأصلة في العقل والقلب و الوجدان، وما انفكّ الفلسطينيون في المنافي يعبرون عنها في أشعارهم وحكاياتهم الشعبية وفي مواوليهم وأغانيهم الفولكلورية والشواهد على ذلك كثيرة.
وفي سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي شاع استخدام مصطلح « العودة» واشتقاقاته في الحياة اليومية للفلسطينيين، فكانوا يرددون في المناسبات الاجتماعية عبارة «في العودة» تعبيراً عن الامتنان، ويردون على تهاني العيد بالقول «عيدنا يوم عودتنا».
وكثير من الأخوة الفلسطينيين اللاجئين الذين درسوا في مدارس الأونروا آنذاك لا يتذكر «قسَم العودة « الذي كانوا يرددونه كل صباح مع تحية العلَم قبل الدخول إلى غرف الدرس: «فلسطيننا لن ننساك ولن نرضى وطناً سواك»، أو « نشيد عائدون»الذي كان بمثابة « النشيد الوطني» الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة:عائدون..عائدون.. إننا لعائدون.. فالحدود لن تكون.. والقلاع والحصون..فاصرخوا يا نازحون.. إننا لعائدون.
واليوم، طالما الوضع لم يتغير والحقوق لم تعد للفلسطينيين، فلا شيء تبدل في المواقف، وموقف هؤلاء الأحرار ثابت لم يتغير مقدار شعرة.
وبالتالي فالموقف من المقاومة كمفهوم أو ممارسة لن يتبدل بل يزداد رسوخاً، لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة لا قيمة له في هذا العالم.
لقد عانى الفلسطينيون من النزوح والتهجير القسري مع حرمانهم مراراً وتكراراً من حقوقهم في تقرير المصير على مدى عقود خلت، وعلت مطالبهم لتحقيق العدالة، المتجسدة في المطالبة بحق العودة، بتصميم لا يتزعزع، لكن حتى اليوم لم يحصدوا سوى الوعود مع كلّ أسف، بل ذاك التهجير أصبح جزءاً من حياتهم لأجيال، ويعودون دائماً في ذواكرهم إلى الفرار من المذابح وعمليات الطرد الجماعي والنقل القسري أثناء إنشاء الكيان الصهيوني، ولهذا لابدّ من إجراءات دولية لتسهيل عودة اللاجئين الفلسطينيين وتقديم التعويضات لهم، بعدأن حُرم هؤلاء بشكل منهجي من حقهم في العودة وأجبروا على العيش في المنفى في ظلّ ظروف محفوفة بالمخاطر خارج حدود فلسطين.
العدد 1189 –14-5-2024