التغريبة الفلسطينية .. ملحمة تاريخية في عالم الدراما

الملحق الثقافي- عمار النعمة:
لاشك أن تاريخ الدراما السورية ثري وغني بالأعمال المهمة التي يمكن أن يقال عنها الخالدة، فمنذ سنوات بعيدة استطاع صنّاع الدراما من تقديم أعمال كتبها وأنتجها وأخرجها وجسد شخصياتها فنانون مبدعون سوريون رسخت في ذاكرة المشاهد السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام، لا بل كانت وثيقة للتعريف بقضايا مهمة على رأسها القضية الفلسطينية.. على سبيل المثال لا الحصر كان مسلسل الاجتياح، إخراج شوقي الماجري وسيناريو رياض سيف الذي حصل على جائزة إيمي العالمية في تاريخ الدراما العربية، وتدور أحداثه في مدينة جنين الفلسطينية خلال اجتياح القوات الإسرائيلية للضفة الغربية.
مسلسل عائد إلى حيفا … الذي تناول قصة عائلة فلسطينية اضطرت إلى ترك ابنها الرضيع وحده في المنزل عند وقوع حرب عام 1948. وهو مسلسل مأخوذ عن قصة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني «والأهم من هذا كله أنه يحاكي قضية فلسطين في بعدها الإنساني العميق.
أيضاً مسلسل أنا القدس إخراج المخرج باسل الخطيب يرصد فترة زمنية حاسمة في تاريخ القدس بدأت منذ عام 1917 وصولاً إلى عام 1967.. إلى جانب التركيز على مصير مجموعة من الفلسطينيين الذي تأثروا بهذه التحولات السياسية والاقتصادية التي أفقدتهم أراضيهم وأهاليهم.
وهنا السؤال الأهم لماذا كان ومازال مسلسل التغريبة الفلسطينية هو الأكثر رواجاً ورسوخاً في ذاكرتنا ووجداننا ؟
نعم، يكاد يكون مسلسل التغريبة الفلسطينية الذي عُرض للمرة الأولى عام 2004، من تأليف الكاتب وليد سيف، وإخراج الراحل حاتم علي، أهم الأعمال الدرامية حتى يومنا هذا، وهذا بشهادة الجمهور والعديد من النقاد حيث اجتمعت الآراء على أنه الأفضل عربياً، فهو سلّط الضوء على القضية الفلسطينية بكافة تفاصيلها فبات أيقونة حقيقية في تاريخ الدراما ومرجعاً للعديد من المشاهدين .


التغريبة الفلسطينية عمل تاريخي حصل على العديد من الجوائز، بما في ذلك أفضل كاتب سيناريو للكاتب وليد سيف، وجوائز عن أفضل ممثل وممثلة … فهو كما وصفه الكثيرون ملحمة حقيقية في عالم الدراما .
يروي المسلسل قصة أُسرة فلسطينية تكافح من أجل البقاء في ظل الانتداب البريطاني ثم خلال ما يعرف بالـ»النكبة» عام 1948، مروراً بما يعرف بالـ»نكسة» عام 1967م. ولم يلخّص «التغريبة» تاريخ تلك المرحلة فحسب، بل استعرض كذلك الحياة الاجتماعية الفلسطينية بطبقاتها المختلفة، فضم الفلاح والعامل والشاعر والمثقف والثائر.
ولأن المسلسل يشمل مراحل زمنية طويلة وأحداثاً كثيرةً، فقد لجأ الكاتب إلى استخدام راوٍ للأحداث للاختصار، والراوي هنا هو «علي» يمثل دوره الفنان تيم حسن، وهو يروي بصوت الرجل الذي لم يكبَر أو يظهر بعد، وهذه الروايةُ هي الحالة الوحيدة التي نسمع فيها اللغة العربية الفصحى في هذا العمل، وقد اختِيرَت شخصية «علي» لذلك؛ إشارةً إلى ما سيحوزه «علي» في المستقبل من ثقافة، فقد حصل على الدكتوراه.
تبدأ أحداث نهاية المسلسل التي تركت مفتوحة مع عودة روح المقاومة من جديد، حيث كانت النهاية مع الحفيد الذي كَبر «رشدي» حيث لعب دوره المخرج حاتم علي الذي أخرج بندقية والده من مخبئها والتي استخدمها سابقاً والده وعمه «حسن» في مقاومة الاحتلال، ليكون المشهد واضحاً بالتعبير عن مواصلة المقاومة.
ربما كمتابعين للدراما يمكن القول أن شراكة الكاتب والمخرج كان لها دور كبير في نجاح العمل، لاسيما أنهما أثبتا في العديد من الأعمال المشتركة نجاحات باهرة، والأهم أن عين المخرج الراحل حاتم علي كانت صائبة على الكثير من التفاصيل ابتداء من انتقاء نجوم العمل الذي أدوا أداء لايستهان به فجسدوا الشخصيات بتكنيك وحرفية عالية، انتقالاً إلى أماكن التصوير وطريقة العرض التي تحمل خصوصية المخرج علي ..
أداء الراحل خالد تاجا أحد أبطال العمل أبهر المشاهدين بشخصيته القوية والطيبة والحنونة والحزينة والتي أبكت الكثيرين .. كيف لا وهو الذي أطلقوا عليه لقب (انطوني كوين العرب) .
ولاننسى أن شارة العمل والموسيقا التصويرية جذبت انتباه المشاهدين بطريقة لافتة، وأضافت بعداً آخر للمشهد فكانت الأبهر من حيث الكلمات التي كتبها إبراهيم طوقان ولحنها ووضع لها الموسيقا التصويرية طاهر مامللي وقام بغنائها عامر الخياط.
التغريبة الفلسطينية عمل سوري .. يستحق الوقوف عنده لأسباب أهمها .. أنه بعد حوالي عشرين عاما من العرض مازال راسخاً في الذاكرة ويتردد على القنوات التلفزيونية وألسن المشاهدين، هو ملحمة درامية لايمكن إغفالها في مسيرة الدراما السورية والعربية، والأهم من ذلك كله أنه حالة توثيقية ومرجع أساسي للحديث عن القضية الفلسطينية، وهنا المعنى الحقيقي لتأثير الفن الممتد الذي لا يموت مع الزمن.
ختاماً.. عندما تحقق الأعمال الدرامية الشروط الفنية المتعارف عليها (النص والإخراج والأداء) وعندما تقدم قضية كبيرة بحجم القضية الفلسطينية فهي تلهم المشاهدين وتحفزهم على التفكير بعمق في هذه القضايا، لا بل تحقق تلك الشخصيات والقصص تأثيراً عاطفياً ووطنيًا كبيراً لدى المشاهدين.
فلسطين القلب، والروح والوجدان، ستبقى لنا البوصلة، وستبقى شقيقة سورية وقضيتها الأساسية التي لم ولن تتخلى عنها يوماً .
                            

العدد 1189 –14-5-2024

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى