الثورة – دمشق – ميساء العلي:
المراقب للوضع الاقتصادي على يقين أن القطاع العام هو من أبقى عجلة الإنتاج في حالة دوران يتباطأ حيناً ويتسارع أحياناً، لكن بقي العمل والدوران من سماته، رغم الضغوطات والعقوبات التي فرضت على اقتصادنا.
واليوم أكثر من أي وقت مضى، لابد من إيجاد منهج واضح يمًكن القطاع العام من أداء الإنتاج بليونة أكبر وبكفاءة ومردودية إنتاجية أعلى، ليظل قائداً للاقتصاد الوطني بحيث يحافظ على مكتسباته وعلى هيبة الدولة، التي لم تتخل عبر مؤسساتها عن أي موظف حكومي، وهذا بحد ذاته دليل قوة العمل المؤسساتي فيها ورسوخه، ولكن ذلك يحتاج إلى توفر الإرادة والسياسة التنفيذية عند طرح أي حل وفق معايير اقتصادية واجتماعية قبل فوات الأوان.
لا يمكن اختصار دوره
خلال كلمة السيد الرئيس بشار الأسد أمام اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أكد على أهمية القطاع العام والدور الهام الذي لعبه في تاريخ سورية، ومازال رغم المصاعب الجمة التي يتعرض لها، ولذلك لا يمكن اختصار دوره ولابد من الحفاظ عليه لأن دوره هام وسيبقى.
تساؤلات عديدة تم طرحها.. ماذا نريد من القطاع العام؟ بالتأكيد يجب أن يكون دور القطاع العام نوعياً ومدروساً وهادفاً.. لكن يجب أن نسأل أيضاً هل نريد منه التوظيف الاجتماعي أم دعم الأسعار، أو أن يكون رابحاً..؟
هي معادلة يجب تحقيقها ليكون دور القطاع العام اقتصادياً واجتماعياً.
العام والخاص جنباً إلى جنب
يرى أستاذ التحليل الاقتصادي بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية أن القطاع العام الاقتصادي يشكل ثلث الاقتصاد السوري، وهو في جوهره يغطي القطاعات الأهم ولكن هذا القطاع للأسف لم يأخذ حقه من الإصلاح والصيانة، وكأن الميل كان باتجاه القطاع الخاص.
ومع أننا نميل أيضاً إلى الخاص، ولكننا لا نؤيد التخلي عن العام الذي خلقته وكونته وطورته الحركة التصحيحية آنذاك، فقام بدوره برفع الاقتصاد السوري وحمله ريثما اكتملت قوى الخاص فسارا كلاهما جنباً إلى جنب، ومن ثم ركنت قوى العام على ما هو استراتيجي واختص الخاص بما هو لازم وحيوي لتأمين ما هو مطلوب للاقتصاد عموماً وللمواطن على وجه الخصوص.
ويتابع فضلية: بكل الأحوال مازال العام يشغل بعض قواه بما هو ليس ضرورياً وبما هو ليس لازماً مثل صناعة المحارم والأحذية.. الخ.
ماذا نريد من القطاع العام؟
ونحن نسأل أيضاً ماذا نريد من القطاع العام بمسألة التوظيف ليجيب المحلل الاقتصادي قائلاً : للقطاع العام دور اقتصادي واجتماعي، وقد قام بهذا الدور لعقود طويلة سابقة، وحتى أنه وظف أيدي عاملة بأكثر مما يحتاج لترسيخ دوره الاجتماعي، ولكن هذا الدور الاجتماعي يجب أن يكون محدوداً لفترة معينة، وألا يكون دائماً لأن العمل الاقتصادي هو عنوان لعمل وفكر رابح، ولا يجب أن يكون خاسراً بمعنى أنه مادياً (بجانبه الاقتصادي) رابح، ولا يجب (دائماً) أن يخسر نفسه بالجانب الاجتماعي.
كلنا يذكر هذا المُسمى ”المجلس الأعلى لإصلاح القطاع العام الاقتصادي” والذي لم نعد نسمع عن عمله أي إنجاز والذي اُعتبر حينها خياراً استراتيجياً، أُشبع الكلام عنه من خلال طروحات حكومية ومقترحات وسياسات واستراتيجيات بالتشارك مع آراء ومقترحات لباحثين للخروج من عنق الزجاجة.
والتساؤلات التي تفرض نفسها: هل عجزنا عن إيجاد حلول لإعادة الروح للقطاع العام الذي يعني لنا الكثير، فثمة أهداف اقتصادية كثيرة مناطة بدوره، كتحقيق الاستقرار الاقتصادي والإسراع بمعدلات التنمية، يضاف إلى ذلك الهدف المحوري المتمثل في تكوين البنى التحتية للدولة وإدارة الأنشطة ذات الأهمية الحيوية والاستراتيجية.
ليس جديداً
ولعل هذا الكلام ليس جديداً، إنما تأتي أهميته من الدور الإيجابي الذي لعبه القطاع الحكومي الرسمي خلال الحرب على سورية، حيث أثبت أنه الضامن الوحيد لبقاء دور الدولة قوياً وفاعلاً.
باختصار ولإبقاء القطاع العام لابد من إعادة دوره اقتصادياً أولاً، ومن ثم حل مشكلة التوظيف الاجتماعي الذي اعتمدته الدولة قبل الحرب، وبعدها لتخفيف المعاناة الاجتماعية حتى لا يصبح لدينا جيش من البطالة المقنعة وتوظيفها لزيادة الإنتاجية، وبالتالي دعم الاقتصاد الوطني الذي سيؤدي بالتأكيد إلى تحسين الوضع المعيشي للعامل، والموظف في القطاع العام.. فهل نستفيد من الواقع الحالي ونطوره لتحقيق ذلك؟.