ندوات حوارية هنا، وجلسات عصف فكري هناك، وورشات عمل بينهما والكثير الكثير من أصناف الحديث التي يمكن تعداد مرادفاتها إلى زمن طويل، ولكن من يحاور من؟ ومن يُلزم من بالطرح المنطقي؟
لعل كل منا سمع أو شارك أو شاهد شيئاً من هذه الأحاديث التي تتنوع أشكالها وعناوينها، ولكن المضمون واحد وهو إقناع الآخر بما هو قائم وما سيقوم، أما الحبل الناظم لها كما المسبحة، فهو أننا نحن –كل في قطّاعه- أفضلكم في التحليل والوصول إلى النتائج التي ولا بد تطابق ما نحن به الآن قائمون وفاعلون.
المشكلة ان كل ما يتم إنما هو شرح وإيضاح وإقناع بالمعنى الحقيقي له، أي أن الفعالية تقوم لإقناع المواطن مثلاً بعدم القدرة على رفع سويّة الخدمات المقدّمة لأن ما من مال والإيرادات شحيحة، ولكن يمكن في الوقت نفسه استبدال فرش مكتب لموظف كبير، أو ضمان احتفاظ المديرين العامين بسياراتهم المكلفة، وبطبيعة الحال ما من تساهل مع مواطن نسي أو لم يملك مبلغ ضريبته لأنه حقّها، أما موظف عام أثرى وبات يمتلك العقارات فذلك أمر مُربك.
الحوار المثمر هو البدء من الصفر دون قناعات مسبقة وقبول الطرح الآخر إن كان فيه من المصلحة العامة اكثر مما نطرح نحن، والحوار يعني عدم التمترس خلف موقف أو قناعة او مفهوم، بل يعني تحديد الأصلح والأفضل كهدف، وليس تحديد رأينا الخاص أو قناعتنا كهدف يجب إخضاع الآخرين له، لأن المسألة تعني بلدنا ولا تعني صورة موظف يحلو له أن يجمّل صورته ضمانا لاستمرارية أو طمعاً بدرجة أعلى..
هي حياتنا وحياة أولادنا، وإن كان البعض يناقش ويجادل ويحاول إيصال الحقيقة لمجرد الالتزام الأخلاقي ومحبة بلاده، فإن البعض الآخر يحذو نفس الحذو لأنه مصيره، وبغير مخرجات ونتائج الحوار في كل قطاع فلا يملك من أمر نفسه في غده وربما يومه شيئاً، بل حتى لا يملك التصبّر على ما ينهال فوق رأسه إن كان بصيص النور في نهاية النفق غير موجود.. أو على الأقل إن لم يكن من وعد ببصيص النور في نهاية النفق..!!
المرحلة الحالية مختلفة عن كل ما سبقها، ويمكن اعتبارها مرحلة أساس أو حجر زاوية في غدنا وغد أولادنا، وبعبارة أخرى فهي تأسيس والتأسيس الحقيقي المتين لا يحتمل الاحتمالات، بل لا بد له من المتانة.