ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير-علي قاسم:
يفترض أن يصل إلى دمشق المبعوث الأممي «دي ميستورا» في زيارة هي الثانية بعد تسلمه مهامه، لكنها في التعريف السياسي قد تكون الأساسية لاعتبارين جوهريين: الأول يتعلق بجولة مكوكية قادته إلى أغلب العواصم الإقليمية والدولية،
والثاني استدراجه إلى خانة الشك حين اعتمد على أكثر المفاهيم ضبابية في المصطلحات التي أطلقها بحسن نية أو من دونها!!
فاللغط طغى على ما أسماه مناطق مجمّدة أو آمنة أو أي شيء من هذا القبيل، بما فيها ما أضافته الترجمات من غير وجه حق، وتكفل التسرّع في الاستنتاج بناء عليه بتجاوز الحيثيات السياسية البروتوكولية المعتادة في مثل هذه النقاشات، وجاءت التفسيرات الفضفاضة لتزيد الطين بلة.
في المبدأ يدرك «دي ميستورا» بالحسّ السياسي، كما يعرف حدّ اليقين بما توافر لديه من شواهد ملموسة بعد جولته في عواصم شتّى، أن الوقت ليس ملائماً للاجتهاد، خصوصاً من خارج إطار المهمة المكلف بها، وأن الحذر ضرورة ليس لاعتبارات متعلقة بالأفكار التي يحملها ومدى قدرتها على تحقيق أرضية سياسية تمتلك عوامل النضوج الذاتي والموضوعي، بل لكي لا يتم رشقها وهي في المهد بكثير من الإضافات أو تحميلها ما هو خارج سياقها.
فإذا كان الاجتهاد أمراً محموداً في بعض الأدبيات السياسية، أو غير السياسية، فإنه في المهمة الأممية يبدو غير ذلك، ويصل إلى مرتبة الدخول في المحظورات، حيث إنه حتى لو أصاب فلا أجر له يُحسب، ولا رصيد يمكن أن يحصل عليه، بدليل أن المهمات السابقة التي بالغت في اجتهادات أغلبها من خارج النص، وكانت حمّالة أوجه تم تحويلها إلى نصوص إضافية أضاعت الكثير من الوقت والجهد دون طائل وأغرقت المهمة الدولية في مستنقع من الاستنتاجات الخاطئة كانت أحد أهم عوامل فشلها وإخفاقها.
ما هو متفق عليه أن المبعوث الأممي بدأ خطوط مهمته العريضة بكثير من الاتزان والموضوعية وقاربت أكثر مواقفه الحدود المعمول بها، وكان التعويل على ذلك يسبق أي جهد حقيقي يمكن الرهان عليه في هذه المرحلة، وهو ما دفع إلى الاستغراب من التسرّع الذي لازم مرافعته أمام مجلس الأمن، أو الإحاطة التي قدمها بعد أن استبدلت بكلمة تقرير دون سواها من الإحاطات السابقة للمبعوثين الدوليين.
غير أن المختلف عليه إلى حدّ التناقض، إضافة إلى تفاصيل كثيرة في المضمون، يبقى التوقيت، بدليل أن تصريحات المبعوث الأممي ارتبطت على الأقل بسلسلة من الطروحات المتزامنة من قبل تركيا ولحقت بها فرنسا، ومجرد دخولهما على خط الطرح، ولو كان بطريقة مختلفة أو غير متطابقة أو مغايرة، كان كافياً للشك والريبة في أبعاد وخفايا ما تحمله من تفاصيل تتقاطع بهذا القدر أو ذاك مع ما يسوّقه أردوغان وهولاند.
ما زاد الالتباس أن المبعوث الأممي لم ينفِ ولم يؤكد.. لم يضف ولم يختصر على ما تسرّب، بل تعامل بكثير من النيات واعتمد عليها في مسألة لا تصلح فيها النيات ولا تنفع، بل كانت هي المشكلة من الأساس حين تخرج عن نطاق وحدود المهمة الدولية والتفويض المنصوص عليه في قرار التكليف.
لا نعتقد أن السيد «دي ميستورا» بغافل عن الفرق الهائل بين الاجتهاد والمبادرة، ونستطيع أن نجزم أن لديه ما يكفي من الحنكة والخبرة لتلمّس حدود الاختلاف بين البحث عن أفكار لتحريك مياه راكدة، والاستسلام لأفكار يتم تغليفها بشعارات في زمن لا تنفع فيه الشعارات، وفي معضلة لا تحلّها الشعارات ولا تخفف من تأزّمها النيات، سواء صدقت في ذلك أم لم تصدق.
لا نستبق الزيارة، لكنها بعض النقاط الضرورية على أحرف يريد البعض أن يصطاد بها في مياهه العكرة، وقد تصلح لتكون حالة تصويبية مجانية مقدمة للسيد «دي ميستورا» قبيل إعادة الطرح والنقاش أو الدخول في جدل الأولويات المحسوم منذ زمن طويل.
فالمبعوث الأممي يشاطرنا الموقف كما نشاطره الرؤية في كثير مما قدمه، لكن في قضية المسلّمات والبدهيات نجد افتراقاً لا حاجة له، ولا نرغب في حصوله، وتحديداً أولوية محاربة الإرهاب وبدهية رفض مصطلح المناطق، بغض النظر عما يليها من توصيف، حرصاً على مهمته ورغبة صادقة وجادة بألا يقع فيما وقع فيه من سبقه..!!
a.ka667@yahoo.com