ثورة أون لاين ـ بشار الحجلي :
منذ أطلق وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد كلماته المشهورة بعيد الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003 بأن العالم يخوض اليوم واحدة من أكثر الحروب شراسة هي حرب الأفكار ، كان يطلق رصاصة البداية لما عرف بالفوضى الخلاقة ، التي ستجتاح المنطقة ، ليلتقي عام 2006 مع مواطنته كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية يومها، عندما أعلنت خلال حرب تموز على لبنان ، أن العالم اليوم أمام بناء شرق أوسط جديد يفصل تماما على المقاسات الأمريكية لمستفيد وحيد هو الكيان الاستعماري " إسرائيل " .
هذا التقديم نسوقه محاولة لتوضيح ما يجري في المنطقة منذ 2005 وصولا لما عرف فيما بعد بالربيع العربي الذي اجتاح المنطقة مدعوما بالسياسات الاستعمارية لأمريكا وحلفائها ممولا بمال النفط العربي الخليجي لتقسيم الوطن وتنفيذ إرادة المحتلين تحت مسميات اتخذت من الإسلام ستارا لتعمل أدواتها قتلا وذبحا وتفتيتا في البلاد والمستفيد الوحيد أيضا هو الكيان الاستعماري " إسرائيل " .
هادي دانيال المثقف العربي المقاوم وصف هذا الربيع بالمؤامرة التي تستهدف بالمرتبة الأولى القضية الفلسطينية ليقول في مؤلفه الصادر عن دار بيرم للنشر والتوزيع في تونس هذا العام 2014 إنه :
" في ظل انشغال العرب وشعوب المنطقة والعالم بحروب الربيع العربي القذرة تغتنم نهازة الفرص " إسرائيل " فرصة شاركت في اختلاقها لتجريد الشعب الفلسطيني حتى من مكتسبات نضاله الملحمي على مدى سبعة قرون بقضم القرار تلو الآخر من القرارات الأممية التي تدعم حقوق هذا الشعب المظلوم في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف …"
عندما يساهم أبناء القضية بقتلها!
دانيال .. لم يستثن النخب العربية السياسية والثقافية والإعلامية من الوقوع في شباك المؤامرة على القضية الفلسطينية فهذه النخب ساهمت عن قصد وغير قصد في محاولة تصفية القضية والمشاركة بنهش اللحم الفلسطيني الحي نيئاً فيكافئها المستوطنون بحرق هذا اللحم المستباح وشيه وتقديمه إلى هذه النخب على موائد مؤامرة الربيع العربي العامرة بالأجساد المحروقة والصدور المشقوقة والأكباد المنتزعة والعيون المقتلعة والرؤوس المقطوعة والرقاب المذبوحة والجثث المشبوحة من القدس إلى دمشق ، من ارض الكنانة الى ارض السواد من طرابلس الى طرابلس ومن جبل الشعاني الى جبال صنين متاهة شاسعة من الدماء والدخان والخراب والضباب كي يضيع ما تبقى من فلسطين .
الإخوان والمشروع الأمريكي ـ الصهيوني
يستشهد الكاتب بما نشرته صحيفة الوطن المصرية على موقعها في العاشر من أيلول 2013 تحت عنوان مشروع أمريكي ـ إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية أعده البروفسور " يهوشع بن آريه " وسربه دبلوماسيون غربيون
المشروع يتحدث عن تبادل الأراضي بين مصر وفلسطين وإسرائيل في آن تتنازل للفلسطينيين عن رفح والشيخ زويد ، لتمدد غزة إلى حدود العريش مقابل حصول مصر على أراضي مماثلة في صحراء النقب ومميزات خاصة تمكنها من إقامة شبكة طرق تربط بين مصر والأردن والسعودية لنقل الحجيج المصريين إلى مكة فضلا عن منح الميزات الإضافية لمصر منها ضخ نقدي يتراوح بين 100 و150 مليار دولار بجانب محطة تحلي مياه ضخمة ممولة من البنك الدولي تغطي العجز الكبير في المياه الذي سيتسبب فيه سد النهضة الإثيوبي وفي المقابل تحصل إسرائيل على مساحة تصل من 40 إلى 60 % من أراضي الضفة الغربية مع منح الفلسطينيين أرضا بديلة في صحراء النقب شريطة الحفاظ على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة معترف بها دوليا وتحظى بقبول عالمي أما الملخص التنفيذي للمشروع الذي نشرته الوطن المصرية يشير في مقدمته إلى أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لحل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وحدد الملخص مرحلتين للتنفيذ الأولى تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والاسرائيلين، ونقلت "الوطن " عن معد المشروع قوله : انه بناء على مبادرة القمة العربية في بيروت والمبادرات الإسرائيلية والفلسطينية المختلفة ،يمكن أن تكون الغالبية العظمى من الضفة الغربية التابعة لفلسطين .
أما المرحلة الثانية فهي تبادل الأراضي بين مصر وفلسطين وإسرائيل .
هذا المشروع الذي حظي بموافقة الإخوان المسلمين في مصر باجتماع عقد في واشنطن قبل ان يكافأ الإخوان مقابل موافقتهم على هذا المشروع للوصول إلى السلطة في مصر وتمكينهم من القبض على دفة الحكم في تونس لقاء وفاء " الغنوشي " بوعوده التي قطعها أمام اللوبي الصهيوني ـ الأميركي "ايباك " وبناء على الثقة بأن حماس تعرف كيف تضمن الأمن في قطاع غزة ـ وفق ما بثته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي يوم 24\9\ 2013 ـ وحسب الوطن المصرية ، فقد أنيط بحركة " حماس" الدور الأساس في محاولة تدمير الدولة المصرية .
ربيعا أراح إسرائيل
ويضيف الكاتب : عندما يعلن جنرال إسرائيلي متقاعد ومتفرغ للحرب النفسية غبطته بهذا الربيع العربي في محاضرة ألقاها في النرويج ويقول : انه كان ربيعا إسرائيليا بامتياز بأنه أراح إسرائيل من الخطر الذي كان يتمثل على حد تعبيره بحل الجيش العراقي عشية احتلال العراق وبما يجري لإضعاف الجيشين السوري والمصري كان يؤشر حقيقة لا يجدي الهروب منها بسلوك النعامة لان تدمير الدولة السورية وجيشها الباسل وقيادتها الوطنية يشكل جسر العبور الى تفتيت المنطقة ووضع الأسس لإقامة الشرق الأوسط الكبير على أنقاض المقاومة في لبنان وفلسطين والاعتراف بيهودية الدولة ، لذلك كله أعلنت إسرائيل معاضدتها ما يسمى " المعارضة السورية المسلحة " التي انضم مقاتلو " حماس" إلى صفوفها وتسلل ضباط الموساد وإعلاميون إسرائيليون إلى أراض سورية تسيطر عليها الجماعات التكفيرية المسلحة وفتح إسرائيل مشافيها لتقديم العلاج لجرحى عناصر الجماعات التكفيرية ، وسعيها اليوم إلى إقامة منطقة عازلة على حدود الجولان المحتل .
الكتاب الذي جاء بـ 317 صفحة من القطع المتوسط أراد مؤلفه أن يشكل إضافة إلى عدد من العناوين نشرها في تونس أيضا منها الربيع العربي يتمخض عن خريف إسلامي بغيوم صهيونية ـ دار بيرم للنشر صفاقس 2012 ـ أيضا عندما البلاد إلى الضباب والذئاب ـ دار نقوش عربية 2013 ـ أوهام الربيع العربي.. الوعي القطيعي، دار نقوش عربية، تونس 2013 ـ
كما أراده إضافة لكتابه " ثورات الفوضى الخلاقة ـ سلال فارغة " وصولا إلى : " سورية التي غيرت وجه العالم".ليقول من خلال هذه المؤلفات أن المثقف السوري لا ينسى بلد مهما أغترب عنها، ولو حالت دونهما البحار والمحيطات والمسافات، ولن ينسى دانيال السوري الذي ذاق مرارة الخيبة صغيرا يوم غادر سورية قبل أكثر من ربع قرن ليلتحق بثوار فلسطين وعاش بينهم في صفوف المنظمات المقاومة ليخرج متوجها إلى تونس مع من خرج من لبنان عام 1982 ليبدأ من هناك رحلة الوجع مع الاغتراب والغربة ومع العروبة الجريحة الموجوعة.
لن ننسى فلسطين !
هادي دانيال ابن اللاذقية المولد 1956بدأ الكتابة مبكرا فصدرت له أول مجموعة شعرية عام 1973 ليكتمل عقد مجموعاته عام 2003 فتصدر أعماله الشعرية عن دار صامد عام 2006 متضمنة 12 مجموعة صدرت بين بيروت وتونس ودمشق ..واليم مع كتاب الأسبوع يختم الكاتب الهادي دانيال 38 مؤلفا صدر معظمها في العاصمة التونسية ..
وبين الزمنين بقيت فلسطين الحاضرة في ذاكرة الكاتب تكشف له ما تتعرض له المنطقة من مخططات ومشاريع عدوانية ..
يختم دانيال مقدمة كتابه بكلمات واضحة تكشف موقفه تجاه ما يجري ليقول إن الأساس هو القضية الأساس ..فلسطين وكل ما يدور للوصول لخطوة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدلا من الصراع العربي الإسرائيلي خطوة على محو القضية وترك الفلسطينيين يواجهون وحدهم ويموتون وحدهم ويصمدون وحدهم لكن هذه الأحلام لن تمر مادامت الدولة السورية الوطنية قلعة للمقاومة والممانعة ومادام الجيش العربي السوري سورا عظيما صلبا شاهقا تتكسر على صخر صموده أعتى المؤامرات الكونية .
ما ذكرنا لا يغني عن القراءة خاصة أن الكتاب خلاصة جهد ورأي الكاتب وفيه موضوعات ومقبلات صحفية ومتابعات فكرية سياسية جديرة بالقراءة كونها تلقي الضوء على تفاصيل يجهلها القارئ حول كواليس الدول التي وصلتها آفة الخراب العربي .وكشف مقنع لحقائق ربما تكون صادمة أحياناً.