الثورة – همسة زغيب
ينهض الحجر السوري ليحكي حكاية لا تُنسى، في لحظةٍ تتقاطع فيها الجغرافيا مع الوجدان، وتتداخل فيها الذاكرة بالحلم، يلتقي الفنانون السوريون حول البازلت، الحجر الناريّ الصلب، ليجعلوا منه لغة للحوار، ووسيلة للبوح، ورسالة تتجاوز الصمت، ليس المعرض مجرد فعالية فنية، بل مبادرة جماعية ضمّت اثنين وعشرين نحاتاً ونحاتة من مختلف المحافظات السورية، فمن صالة زوايا في دمشق اليوم، انبعثت منحوتاتهم كأنها أصوات من الأرض.
كلّ فنانٍ نقش على الحجر رؤيته الخاصة، ألمه وأمله، وانتماءه.
بعضهم جاء من السويداء، وآخرون أرسلوا أعمالهم على الرغم من تعذّر حضورهم، ليؤكدوا أن الفن لا يعرف الحواجز، وأن الرسالة تصل حتى وإن غاب الجسد.
لم يكن البازلت خامة فنية فحسب، بل كان بطل المعرض، في صلابته رمزية المقاومة، وفي هشاشته تجليات الروح.
تنوّعت الأعمال بين التعبير والتجريد، بين البورتريه والرمز، لتشكّل فسيفساء من الحكايات السورية المنحوتة.
– صوت الأرض
شاركت الفنانة التشكيلية نجود الشومري بعملين من سلسلة عشتار، أحدهما بعنوان “الأرض”، يصوّر جذع امرأة تحتضن طفل غزال — تجسيداً للأسطورة والخصوبة والحب والحرب في آنٍ واحد.
تقول الشومري لصحيفة الثورة: “في مشاركتي ضمن معرض بازلت 1، اخترت أن أُصغي لصوت الأرض، لا لأحفر فيها فقط، بل لأستخرج منها حكاية أنثى تتربع على جذعها الحياة”.
وتضيف: “عملي بعنوان الأرض، من سلسلة عشتار، يجسّد جذع امرأة تحتضن طفل غزال، في تداخل رمزي بين الخصوبة والبراءة، بين الحرب والحب، بين الأسطورة والواقع. عشتار لا تموت، تلد من الرماد، وتمنح للحجر نبضاً وللصمت معنى.
ضمّ المعرض أيضاً عملين مؤثرين للفنان الراحل فؤاد أبو عساف (الذي غاب قبل أربع سنوات):
الأول طير يحتضن طفلاً، والثاني بورتريه بعنوان “هجرة”، يلامس قضايا الهوية والرحيل.
كما شارك الفنان مصطفى علي بعمل بورتريه تعبيري من البازلت والجرانيت، يجسد الخلود والاستمرارية، ويحتفي بالحجر كرمز للهوية والحياة.
الفن ذاكرةٌ ووجدان
لم يكن بازلت 1 مجرد عرض فني، بل حوار بصري بين المادة والروح، بين الجغرافيا والهوية، بين الألم والأمل.
أكد المشاركون أن البازلت، رغم صلابته، قادر على حمل الرسائل الإنسانية، وأن الفن السوري لا يزال ينبض بالحياة، يجد في الحجر وسيلةً للتعبير عن حضارةٍ لا تُنسى، وهويةٍ لا تُمحى.