تلعب النخب الثقافية، ومعها النماذج الشهيرة كمشاهير الفن، والرياضة دوراً مؤثراً في نشر القيم، والأنماط الثقافية، والحياتية التي تمارسها داخل المجتمعات. فإعجاب الجماهير بهذه النماذج يؤدي إلى محاكاتها، واعتناق نمط حياتها، وقيمها، ليصبح بالتالي هؤلاء الأفراد رموزاً يحتذى بها، وخاصة لدى فئة الشباب.
إن ظهور هذه النخب يمكن له أن يحدث تغييراتٍ جذرية في المجتمعات، فهي تلعب دوراً محورياً في تشكيل الثقافة في المجتمع، أو توجيه مسارها، كما توجيه التيارات الاجتماعية من خلال الكتابات، والتصريحات، والمقابلات، والأنشطة الفنية، ومن ثم التأثير على آراء الناس، وقد يصل هذا التأثير إلى المعتقدات، والمواقف الفكرية، والوطنية.
فنجوم السينما، والموسيقا على سبيل المثال، يمكنهم إضفاء الشرعية على أساليب معينة في الموضة، والأزياء، والسلوكيات الاجتماعية. ونجوم الرياضة قد يستخدمون منصاتهم الرقمية للترويج لقضايا بعينها. والشخصيات العامة تُعد قدوة، ونموذجاً للسلوك، والقيم الاجتماعية. أما الحال بالنسبة للمفكرين، والفنانين التشكيليين، والكتّاب البارزين، فآراؤهم، وأعمالهم تؤثر بشكل كبير على الذائقة الثقافية للمجتمع.. بل قد تتجاوز تلك التأثيرات مجالها لتصل إلى مسارات سياسية، واجتماعية.
ومع ذلك، فإن هذا التأثير للنخب الثقافية والمشهورة ليس بالضرورة إيجابياً على الدوام، فقد يتم استغلال نفوذها، وتأثيرها على الناس للترويج لأفكار، أو لقيم مثيرة للجدل، أو ربما خطيرة. وهذا ما يدفع بعض المجتمعات إلى مطالبة هذه النخب بتحمل المسؤولية الأخلاقية، والاجتماعية تجاه جماهيرها.
وبالتالي، فإن دراسة تأثير النخب الثقافية والمشهورة على ثقافة المجتمعات يساعدنا على إدراك الديناميكيات الاجتماعية، والثقافية السائدة، وكيفية تشكيلها، وما الإشكاليات، والتحديات المرتبطة بها. وهذا بدوره يمكننا أيضاً من المساهمة في بناء مجتمعات أكثر وعياً، وتوازناً.
إلا أنه في غياهب العصر الرقمي الذي نعيش فيه، لم تعد الثقافة، والمعرفة، وكذلك الفن حكراً على النخب في بروجها العاجية، فالمشاهير اليوم، والنافذون الأكثر تأثيراً باتوا مَنْ هم الأكثر حضوراً على الساحة الرقمية، وقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي الساحة الرئيسة لبسط النفوذ الثقافي على الجماهير، والمؤثرون الرقميون بعد أن تمرسوا باتوا يملكون القدرة على إذكاء نقاشات ثقافية، واجتماعية ذات بعد سياسي أحياناً، وتعزيز قيم معينة على حساب أخرى.
إن هذه الآليات المتداخلة والمترابطة بآنٍ معاً تمكن الثقافات المهيمنة من التغلغل في النسيج الاجتماعي، والثقافي للمجتمعات المحلية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى استلاب هويتها الثقافية الأصيلة، وتفكيك نسيجها الاجتماعي.
في عالم اليوم لم تعد النخب الثقافية، والمشهورة مجرد وجوه لامعة على شاشات الإعلام، أو السينما، أو الهواتف الذكية، بل أصبح لها تأثير حقيقي، وملموس مادامت تملك منابر واسعة النطاق للتعبير عن رؤاها، ولتسليط الضوء على قضايا مجتمعية بارزة. وبفضل قوة التأثير هذه على الجماهير تتشكل نخب الفكر، والفن التي قد تتحول إلى أيقونات بلا منازع، ودورها لا يقل أهمية عن دور المؤسسات التعليمية، أو الدينية.
وما بين القلم والضوء.. وعلى الرغم من الإشكاليات التي قد تثيرها هذه السلطة الثقافية، إلا أن أهمية النخب الثقافية، والأخرى المشهورة في تطوير المجتمعات، وتعزيز الوعي العام حول القضايا المصيرية، والالتزام بموضوعات ذات أثر اجتماعي، لا يقبل الجدل. إن التزام النخب الثقافية بمعايير الشفافية، والمساءلة العامة في ممارساتها المهنية، والحياتية، سيعزز من مصداقيتها، وثقة الجمهور بها، وبذلك سيتمكن أبناؤها من استخدام نفوذهم بفعالية أكبر لتوجيه الرأي العام إلى المسارات الصحيحة.
نخب هي بمنزلة النجوم التي تضيء الطريق نحو التغيير الاجتماعي الإيجابي، والتقدم الحضاري بدلاً من التركيز على المواضيع الترفيهية والسطحية، مادامت لا تكتفي بمجرد التواجد على الساحة الفنية، والثقافية، بل تقوم بدورها المحوري في التوعية، والتحفيز على إحداث التغيير بالتوازي مع صانعي السياسات، والمؤسسات الاجتماعية.