ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
ليس من الصعب لحظ الهوامش المعمول بها في العلاقات الدولية، وهي تكاد تُسلّم بالانتظار – ولو مواربة- عنواناً للملفات المفتوحة كما هو لتلك المغلقة أو المؤجلة، ولا عسيراً ملاحظة حجم الانزياح في التقاطعات التي كانت قائمة،
سواء على مستوى المنطقة أم العالم، في ظل تواتر الحديث عن إعادة اصطفاف في المشهد الدولي، بعد أن فرضت المواجهة المعلنة وغير المعلنة شروطها.
لكن.. حين تصل الأمور إلى الاستنتاج والتفسير تصاب بداء الخلط، خصوصاً وسط هذه المناخات الحبلى بالانتظار، بعد أن وصل الكثير من الملفات في المنطقة وخارجها إلى نقاط مفصلية يقتضي ما بعدها ألا يكون على شاكلة ما قبلها، بدليل أن أغلبها إن لم يكن جلّها دخل مرحلة اختبار تتجاوز الذاتي والموضوعي، وتلامس سقف التحولات الكبرى في فهم الأبعاد والدلالات.
وهو أمر يكاد ينسحب على كبير الملفات وصغيرها.. الساخن منها والبارد، بحكم أنّ الاتجاه الأميركي يتدحرج نحو الأخذ بنظرية ثلاجة الانتظار، كمحطة إضافية لتدوير الزوايا، في لحظة يعتقد الكثيرون بأنها الأصعب على إدارة الرئيس أوباما، وقد تكون فارقة، ليس على مستوى هذه الإدارة فقط، بل في تاريخ الإدارات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب الباردة.
هذا.. قد يفسر الكثير من الألغاز القائمة في سياق التباين الواضح في المقاربات الأميركية، حيال كل الحراك الدولي، على مستوياته المختلفة ويفسر ردة الفعل الباردة تجاه العديد من القضايا، وترك المسائل معلقة دون حسم، وفتح باب التأويل واسعاً، أمام طيف يكاد لا ينتهي من أحجيات الأزدواجية التي تدفع بدورها إلى تقديم قراءات متباينة تتجاوز الحيز السياسي المعتاد.
فالغموض الأميركي بشأن ما يطرحه المبعوث الأممي مثلاً، يصلح هنا للدلالة على أحجيات الدور الأميركي، وإذا كان الغموض في العرف الدبلوماسي مؤشراً على عدم الاعتراض، فإنه بحد ذاته حمّال أوجه، وقابل لتفسير مزدوج، وبيئة خصبة لفوضى التأويلات وسخونتها، بدلالة التجارب القائمة حالياً، التي نرى فيها موقفاً أميركياً مبهماً وغامضاً، يحتمل الرفض والقبول، وتحديداً فيما يخص موقف واشنطن من الأفكار المتداولة، بما فيها التي يتقدم بها حلفاؤها وأدواتها!!.
في القضايا الأخرى لا تبدو المهمة الصعبة في الملف النووي الإيراني بعيدة عن هذا التوجه، ولا هي خارج معطى الثلاجة الأميركية، رغم مظاهر الاهتمام الأميركي المبالغ فيه بعد الانتخابات النصفية، حيث كان يفترض لمحادثات مسقط أن تعطي إشارة في الاتجاه الذي تتحرك نحوه، لكن ما نراه وما نلمسه يكرس القناعة المتداولة، بأنها لن تكون خارج ثلاجة الانتظار في المدى المنظور، وإن كان بحكم العرج والعجز النصفي أكثر مما هو رغبة مبيتة.
الخطير في الأمر أن الفهم الملتبس لحالة الانتظار يقود إلى استنتاجات خاطئة، وخلاصات مغلوطة ويفسح في المجال أمام نمو هوامش مرضية، ولا سيما ما يتعلق بالإرهاب وأدواته وداعميه، الذين يجدون فيه مناخاً لاستطالات أكثر مرضية، وحالة من التمرد الظاهر، وإن كان باطنه غير ذلك، فيما التعاطي الأميركي مع مظاهر الحراك الدولي ومحدداته، مجرد لعب في الوقت الضائع لإشغال المنطقة والعالم ليس أكثر.
لذلك يتحول الانتظار من حالة إيجابية في التوقعات إلى مشهد مرضي أكثر خطورة من غياب الحراك ذاته، حيث تكثر فيه الأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة باعتبار أن أغلب المواقف تبني اتجاهها على تفسيراتها الخاصة مما يخلق مساحات من التشوه المتعمد في الحراك الدولي، بما تعكسه من استدلال على أن المنطقة أمام موجة عاتية من الفوضى الإضافية.
المؤكد الوحيد الذي نراه على أرض الواقع تلك الفراغات الناتجة بعد انزلاق غالبية ملفات المنطقة نحو ثلاجة الانتظار، حيث تتفنن إدارة الرئيس أوباما في قيادة الخراب والدمار في المنطقة، ليكون الركام الناتج عكازاً إضافياً لمزيد من الاستنزاف حتى إشعار آخر.
a.ka667@yahoo.com