ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســــــم:
يتجاوز توقيت الإعلان عن توسيع مظلة «الخلافة الداعشية» كما جاءت في رسالة الإرهابي أبو بكر البغدادي ما احتوته الرسالة ذاتها بحكم أنها تحصيل حاصل،
رغم فارق المقارنة باعتبارها تضيف إلى المؤشرات دليلاً حسّياً إضافياً بأن التعاطي الغربي مع فرضية انتهاء صلاحية خرائط «سايكس بيكو» قد استخدم كمسوّغ نفعي لتحريك خريطة التحالفات من تحت الطاولة كما هو قائم من فوقها.
ورغم المؤشرات الحسّية الأخرى التي كانت تتوالى تباعاً، فإن مجاهيل العلاقة الملتبسة بين الغرب عموماً والتنظيم وأحجياتها، كانت كافية لتفسير التباين في المقاربات داخل التحالف الأميركي، خصوصاً لجهة تحريك خيوط الإرهاب وارتباطاته المتعارضة بالأجندات الذاتية لكل طرف، سواء كان بالاعتبار الوظيفي أم عبر الدور التوكيلي الممنوح مسبقاً للأدوات الأميركية، وسواء كانت مشيخات محكومة بإحداثيات خرائط «سايكس بيكو» أم دول تعتبر تلك الخرائط ظالمة لأطماعها، وجاءت لحظة تصحيح الخطأ الذي تحدثت عنه حكومة العدالة والتنمية، لتبرير اشتراطاتها على التحالف ذاته والمواربة على التفاهم مع أجندات داعش.
في الشكل تبدو «الخلافة الداعشية» وما طرحته منسجمة مع السياق الذي استولدته دويلات الإرهاب ومشيخاته على مدى السنوات الماضية، بحكم أن تبعية التنظيم وإداراته كانت نسخة معدّلة من مشهد التدافع الإقليمي بشقّيه المستحدث والدائم نحو تبنّي الإرهاب بحامله الوظيفي ولو اختلفت الطريقة أو المنهج، بحيث كان من الصعب وسيبقى كذلك الفصل بين الأصل السعودي في التوكيل وبين المشتقات المتداولة لدى قَطَر وتركيا بنسختها الإخوانية وحاضنته السياسية والمالية وصولاً إلى الحاضنة الجغرافيّة.
وجاء ترافقها مع دويّ التصريحات الأميركية والغربية حول محاربة الإرهاب ليقدم الإرهابي البغدادي رسالته خالية من الترميز السياسي هذه المرة، وزادت في ايضاحها بيانات الميدان المرافقة، بحيث لم يكن من الصعب فكّ طلاسم الفكرة التي ينطلق منها، ولا زاوية المحاججة التنظيمية التي استعصت في بعض جزئياته على تحديد الخطوات الآنية لجغرافية «الخلافة» وولاياتها السابقة أو اللاحقة، حين توهّم البعض أن الحدود الفاصلة بين الإرهاب المصدّر وذاك العائد يمكن أن تحول دون استباحة المحددات الجغرافية الموضوعة في لائحة التعليمات المسبقة، التي اشتغلت عليها دوائر الاستخبارات الأميركية ما يزيد على عشر سنوات.
اللافت في المضمون قد يتجاوز الحاضنة الجغرافية بمفهومها المتحرك ليصل إلى دلالة تحييد الغرب وشركاته من أولويات المواجهة بانتظار حسم المسائل الملحّة في تلك المواجهة، وهي كافية لفهم أبعاد المهمة التي اقتضتها الضرورة النفعية في تبادل المصالح، لتمتد الجغرافيا كعامل وحيد وفارق مفصلي في تنبؤات المشهد «الخلافي» باشتقاقه من الخلافة وليس التباين.
على المقلب الآخر كان الخطاب الأميركي ينغمس في نفاقه وغيب الدعوة لفرض عقوبات على داعش أو من يتعامل معها في ظل تحولات يمكن فهم جزء من تفصيلاتها في الملاحق الإضافية التي قدمتها تفسيرات وتحليلات غربية حين وجدت أن البغدادي لا يقدم خرائط جديدة بقدر ما يعكس اتفاقاً مع الغرب على أن البدائل الإضافية لـ«سايكس بيكو» تطرح ذاتها دون أن تتحمل المؤسسة السياسية الغربية أي عناء في توضيح الأسباب الموجبة لها، ومن دون أن تشعر بحرج الشرح لما آلت إليه الأمور، خصوصاً بعد أن شعرت بعبء افتضاح العلاقة الإباحية بين الغرب والوهّابية، واستيلاد البيئات الحاضنة لـ«داعش» ومستورداتها من الفكر الظلامي.
وهو ما يتوازى مع طرح الخلافة لولاياتها القادمة، حيث مسرح المعركة المفتوحة تجدد نفسها وليست بحاجة لنيران صديقة أو عدوّة لاتساعها، وقد بدأت بالقصف التمهيدي عبر الخطوات التي أقدم عليها الغرب و«الناتو» ابتداء ليبيا وغيرها لتكون محطة تحريك للجغرافيا الملتصقة بإفرازات «سايكس بيكو» وما تلاها من تعديلات في البنية الجغرافيّة التي اقتضت تحييد الهوامش الغربية لبعض الوقت، واستدراكها في ركام ما ينتج عن مقصلة الجغرافيا المتحركة في المنطقة.
«الخلافة الداعشية» ليست استعاراً لجبهات جديدة بقدر ما تعكس واقعاً إضافياً يطفو على السطح، بعد أن أغرق النفاق الغربي المنطقة بسيل من الأوهام حول الاجتهادات التي قدمها في سياق تبريره لتقاعسه عن بتر العلاقة مع جذر الإرهاب وقاعدته الوهّابية منذ اللحظة التي توافقت فيها على البدائل، وهي التي تعمدت اغماض العين حتى اللحظة عن سوق تجارتها النفطية وسماسرتها في الداخل التركي كما هو في الشركات الغربية، فيما كان تبديل الأحصنة في قلب المعركة خياراً مربكاً مع الاصرار على محاكاة الحقيقة بألف وجه، وهي التي تفتح المنطقة على مجاهيل من الخرائط التي تبيع وتشتري في إحداثياتها وفق رغبة الأطماع والمصالح المتحركة.
وحدها المشيخات ومثيلاتها من الدويلات الوظيفية تصدّ حائط الاتهام بأذرع من كرتون الوهم والتعويل على فرضية الاشتقاقات داخل البنية الإرهابية لتسويغ أدوارها، فيما تركيا تبحث في سراديب أقبيتها عن إحداثيات تعيد إلى السلطنة البائدة رمزية خرائطها المندثرة تحت وابل الانشطار القادم من مقصلة الجغرافيا وابتداء من الداخل التركي.
a.ka667@yahoo.com