الثورة _ منال السماك:
إلى يومنا هذا مازال البعض ممن يغلبهم الجشع والطمع والأنانية، وتقودهم عقليتهم «الذكورية» المسيطرة، وتسيرهم قناعاتهم، نحو حرمان الورثة الإناث من حقوقهن، فيلجأ المالك إلى توزيع تركته بحياته لأبنائه من دون بناته، أو يعمد الورثة الذكور للاستحواذ والاستيلاء على الميراث من أموال وأملاك الآباء والأمهات، مما يفترض أن يوزع الميراث على جميع الورثة، ولكنهم يحاولون بالإجبار والإكراه لإرغام الإناث على التنازل أو التخارج بمقابل أو من دونه، فيحرمن من إرثهن، ويعشن ظروفاً مادية صعبة، بينما يتمتع إخوتهم الذكور بالميراث، ما يخلق شرخاً بين أفراد الأسرة، ويحفز مشاعر الغيرة والكراهية والتنافر عوضاً عن التكافل والتراحم، وقد يصل الإخوة إلى قاعات المحاكم للوقوف كأعداء.
حرمان الأنثى من حقها بالميراث، سواء كانت ابنة أم زوجة أم أماً أم أختاً، والأساليب المتبعة، وكيف تحافظ الأنثى على حقها، وما النصيحة التي يقدمها القانون لتجنب الوقوع ضحية هذا الحرمان، تلك كانت محاور لقاء «الثورة» مع المحامي الأستاذ نشأت ناجي الحج الذي تحدث بالقول: ينقسم حصر الإرث إلى نوعين، حصر الإرث الشرعي وحصر إرث قانوني، فحصر الإرث الشرعي هو وثيقة قانونية تصدر عن القاضي الشرعي المختص، تبين أسماء ورثة المتوفى، ومقدار حصة كل وريث حسب نصيبه الذي تحدده مسألة الميراث وفقاً لأحكام المواريث في الشريعة الإسلامية، ويكون التوزيع استناداً إلى أحكام القسمة الشرعية في قانون الأحوال الشخصية، والغاية منه معرفة أسماء الورثة، وبيان ما يستحقه كل وريث من أسهم التركة بوجه عام، وليس كما هو شائع معرفة ما يملكه المتوفى، أو نقل ما يملكه المتوفى للورثة، فهذه الأمور لها إجراءاتها وإن كان استحصال على حصر الإرث هو بدايتها.
وعن حصر الإرث القانوني يوضح الأستاذ الحج أنه نفس حصر الإرث الشرعي من حيث الغاية منه، إلا أنه يختلف عنه من حيث نوع التركة، فإذا كان المتوفى يملك عقارات أميرية، فهذه العقارات توزع على الورثة، بموجب حصر الإرث القانوني الذي يصدر عن قاضي الصلح المدني المختص، ويبين نصيب كل وريث من أسهم التركة، استناداً على توزيع الأنصبة بشكل متساو بين الذكر والأنثى، خلافا لحصر الإرث الشرعي الذي يوزع الأنصبة بحيث يحصل الذكر على نصيب يعادل نصيب انثيين.
مخالف للإنسانية والشرع
ولفت الأستاذ الحج إلى أن موضوع حرمان الإناث من حقهن في تركة مورثهن، هو موضوع إنساني أكثر من كونه موضوعاً قانونياً، فلا بد من الإشارة إلى أن حرمان البنت أو الأخت أو الأم من حقها في تركة مورثها، هو تصرف مخالف للشرع ولمبادئ العدالة الإنسانية والاجتماعية، وكمحام وردتني عدة قضايا من هذا النوع، تختلف عن بعضها بالأساليب المتبعة لحرمان الأنثى من حقها في الميراث، إن كان هذا الحرمان صادراً عن المورث نفسه في حياته، أو من الورثة بعد وفاة المورث، فمن الضروري أن أنوه لحقيقة قانونية، وهي أن الأب الذي لا ولد له، إذا توفي، يشترك إخوته مع بناته في التركة ويستحقون نصيباً من التركة، وبالتالي فإن البنت قد تواجه طمع العم في حصتها من التركة، فقد يكون الحرمان سببه طمع الورثة، أو منع انتقال الملكية إلى الصهر بزواجه من الوريثة، أو يكون نصرة لعادات وتقاليد عائلية بالية، كل هذه الأسباب لا تبرر هذا التصرف اللا إنساني.
تصرف المورث بملكه للذكور فقط
وأشار الأستاذ الحج إلى الأساليب المتبعة لحرمان الإناث فأبرزها يكون تصرف المورث في ملكه، وهو بكامل أهليته المعتبرة شرعاً وقانوناً، ويوزع أملاكه على الورثة من دون الإناث، وللأسف في هذه الحالة لا يمكن إبطال هذا التصرف لأنه صادر عن مالك بملكه، إلا بحالات نادرة تحتاج لشروط معينة مثل: (التصرف في مرض الموت)، وعندما يستحيل إبطال هذا التصرف، تكون أملاك المتوفى قد انتقلت في حياته إلى من اختارهم من دون سواهم، ويبقى الموضوع عائداً لضمير الوريث إن رغب بالتنازل عن جزء مما حصل عليه إلى أخته أو زوجة المتوفي أو ابنة أخيه.
من لا ذكور لديه
أما الأسلوب الثاني لحرمان الأنثى من الميراث هو قيام الورثة الذكور بإجبار الوريثة الأنثى بالتنازل عن حصتها أو التخارج عن التركة بمقابل أو من دون مقابل، وتالياً تفقد الأنثى حقها بالميراث، وبهذه الحالة لا تستطيع الحصول على حقها إلا بإثبات حالة الإكراه أو الإجبار الذي تعرضت له.
والنصيحة التي أقدمها لكل مالك، وخاصة لمن ليس لديه أبناء ذكور، وللحفاظ على حق بناته في التركة، بتقسيم ما يملك على ورثته بالعدل والتراضي، والاحتفاظ لنفسه بحق الانتفاع مدى الحياة، ضماناً لحقهم في استغلال والانتفاع بأملاكهم دون المساس بملكية الورثة.
الاحتفاظ بحق الانتفاع مدى الحياة
وحول ماذا يعني حق الانتفاع وما الفرق بينه وبين حق الملكية؟ أوضح الأستاذ الحج أن حق الملكية لشيء يمنح صاحبه استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ويكون له الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته، فيستطيع استعمال العقار أو تأجيره أو بيعه أو رهنه أو وهبه للغير، ويتفرع عن حق الملكية حق الانتفاع الذي يخول صاحبه استعمال واستغلال واستثمار الشيء المنتفع به من دون المساس بملكية الرقبة، ويكون حق الانتفاع مؤقتا ينتهي بوفاة المنتفع، ليعود حق الانتفاع لمالك الرقبة، فيستطيع التصرف بالشيء تصرف المالك بملكه من دون معارضة أحد.
وعادة يلجأ الأب مالك العقار إلى نقل حق الملكية لأحد ورثته، مع الاحتفاظ بحق الانتفاع مدى الحياة، إلا أنه لا يستطيع نقل ملكيته للغير، وعند وفاته يصبح الوريث المالك قادراً على الانتفاع بملكه والتصرف به تصرف المالك بملكه.