ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لم يعدّ تفاصح وزير الخارجية الأميركي جون كيري يثير الانتباه، لكنه حين يطلق وبعد طول صمت ومواربة مصطلح «عرقلة» تدفق المقاتلين الأجانب وسط كل هذا الاشتعال، كحدّ أقصى لما يريده، أو كسقف أميركي جديد!!،
فثمة ما يدفع إلى التأمل في سياق ما يخطه من رسائل عاجلة كعناوين للمرحلة القادمة.
يبدو أن «حصافة» الدبلوماسية الأميركية لم تسعف «زعيمها» في العثور على كلمة أفضل مما جادت به قريحته للدلالة على القاع الذي وصلت إليه، وهي تحاكي العقل العالمي والرأي العام الدولي بهذه السطحية في مقاربة جديدة لنفاق مستمر، ولا يريد أن يتوقف!.
ورغم فائض المفردات لدى تلك الدبلوماسية واتساع الخيارات لم تجد حرجاً في استخدام «عرقلة» للمحاججة، متناسية ومتجاهلة ما لديها من قرارات أممية تطالب في الحدّ الأدنى بما هو أكثر من ذلك بكثير، وفيها من الوضوح والصراحة ما يكفي للاستدلال على فارق الازدواجية في لغة السياسة الأميركية.
لكن ربما لا يستطيع وزير الخارجية الأميركي أن يكون غير ذلك، حتى في الحديث عن القرارات الدولية والفهم الأميركي لها، وليس بمقدوره أن يخرج من جلده ولا أن يغيّر في تعاطيه الاستفزازي مع القضايا الأكثر إلحاحاً، رغم التبجح الواضح في مكافحة الإرهاب والبروباغندا الإعلامية المرافقة له، خصوصاً بعد أن لمس الأميركي مباشرة حدود ومساحة المساهمة الفعلية لأدواته في تجنيد المسلحين والمرتزقة من أنحاء العالم كله.
الاختصار الأميركي للمسألة بهذا الشكل المشوّه, له الكثير مما سيأتي بعده، وأكثر مما هو قائم قبله، وعليه فإن الفهم العام لسياق التعاطي الأميركي أبعد من مسألة تعبير أو مصطلح، حيث تستمد منه الدول الداعمة للإرهاب، وتنهل الأطراف المتورطة في تجنيد الإرهابيين والمرتزقة والقتلة، للاستفاضة في دورها وعملها ومواصلة النهج الذي مارسته وتمارسه على مدى سنوات خلت، وبات جزءاً من وجودها الجغرافي والسياسي، وربما الشاهد الحقيقي على بقاء أدوارها الوظيفية.
القضية في نهاية المطاف ليست وقفاً على مصطلح هنا أو تعبير هناك، رغم ما ينطوي عليه، وما يستدل منه ، باعتبار أن المصداقية تبقى رهناً بممارسات أكثر مما هي بأقوال وبأفعال وأكثر مما ترتبط بتوصيفات، حيث يمارس الأميركي استهتاره بالقرارات التي وقّع عليها، وبالسياق الذي أنتجها، في رسالة مفادها أن التفسير الأميركي هو ذاته لم يتبدل، وينطلق من مفهوم التفرد بالعالم وظلال الهيمنة المستشرية في عمق العقل الأميركي.
ضمن هذه المقاربة الأميركية تتحدد الأدوار والمهمات الوظيفية المرحلية والدائمة، حين تجد الدول الداعمة للإرهاب البوابة الأميركية مفتوحة لتفسير ما تقوم به، وحين تدرك أن المظلة الأميركية لرعايتها جزء من حالة الاستدراك في بعض الجوانب التي تضطر فيها أميركا لمسايرة الموقف الدولي، أو للكذب على الرأي العام الأميركي والعالمي في مقولة مكافحة الإرهاب.
«عرقلة تدفق المقاتلين الأجانب» عنوان أميركي مقترح للمرحلة القادمة، وحين تطرح أميركا عنوانها ثمة من يبالغ في تقمص الدور، وبعضهم يجد فيه مخرجاً للإضافة من خارج النص، وهو ما بات يفسر لماذا تصرّ تركيا على دورها في رعاية تدفق الإرهابيين علناً، ولماذا تواصل مشيخات الخليج تقديم التمويل والدعم للإرهابيين على المكشوف، وقد يوضح جانباً من مراوغة تتفنن في إظهارها الأردن وغيرها في سياق أدوارها الخلفية وغير المباشرة.
ويبقى السؤال الواضح والصريح إلى أين تريد اميركا أن توصل الأمور، وإلى أين ترغب أن يصل الإرهاب ومتى يصبح خطاً أحمر في مفهومها؟!!
في المعطيات المتوافرة لا تجد أميركا حرجاً في اللعب بالنار، وتمارس اللعبة بازدواجية فاضحة أصالة عن نفسها ووكالة عن غيرها، في السر والعلن، وتضع لها عناوين متلونة ومتبدلة باستثناء الحقيقة المرة بأنها تتقن إدارة الخراب والدمار، حتى لو كان فتيل ما أشعلته من نيران الإرهاب يستولد شرارات متقدة خارج المنطقة لن تكون أميركا بمأمن منها، وإن كانت أولى جبهاتها المباشرة أوروبا وساحاتها المفتوحة على أعواد ثقاب من عاد من إرهابييهم أو من يتحضر للعودة!!
a.ka667@yahoo.com